راعي شما
๑ . . مراقب برزات قبيلة الشحوح. . ๑
لاتزال ذاكرته تمتلئ بعديد الأحداث التي عاصرها، بدءا من شظف العيش على رؤوس الجبال، إلى لحظة الاتحاد واحتلال ايران للجزر الإماراتية وما صاحبها من أحداث، ورغم كل شيء مازال مسكونا بحب ذلك التراب الذي طالما لعب فيه أيام الطفولة، حيث لم يكن في زمانه اي تطور يذكر، وما ان شب حتى انضم الى القوات المسلحة ليقضي فيها نحو ربع قرن، ومن بعدها اخذ التراث كل وقته ليؤسس متحفه الخاص في منطقة خت برأس الخيمة.
شق عبدالله راشد الشحي، رئيس جمعية الشحوح للفن الشعبي/أبو ظبي، طريقه بين جبال رأس الخيمة، المنطقة التي نشأ وترعرع في احضانها. في المكان ذاته التقيناه ليروي لنا حكايته بفرحها وحزنها، فيقول: ولدت عام 1950 في المنطقة الجبلية برأس الخيمة، هناك عشت حياة زهيدة مع عائلتي، كنا نعتمد في رزقنا على الزراعة كغيرنا من أهل المنطقة. ومازلت اذكر حتى اللحظة تلك الأيام التي تسبق الشتاء، عندما كنا نبدأ بتنظيف الأرض وإعدادها لزراعة القمح، آملين موسما سمينا يكفي احتياجاتنا لنبدأ بعده موسم الحصاد والتخزين، حيث كنا نترك الحب في السنابل ونضعه في مكان يقال له «الينز»، مصنوع من الحجارة، بحيث لا تصله الرطوبة أبداً.
في تلك الأيام كان أهالي المنطقة يعتمدون على ما تنتجه حيواناتهم من جبن وحليب وغيرهما، وعادة ما كانوا يذهبون لبيعها في منطقة الساحل التي يحضرون منها السمك والتمر والأرز والمواد الغذائية الأخرى، كل شيء حينها كان رخيصا. حمولة الجمل من الحطب تباع بثلاث روبيات هندية، اما نصف كيلو الجبنة فيتراوح سعره بين ربع ونصف روبية. لم يزد عدد بقالات «خت» وقتها عن اثنتين، واحدة لعبدالله بن عبد الكريم يفتحها يوم الجمعة فقط، والأخرى لمحمد راشد الزعابي، وكانا يبيعان المواد الغذائية وعادة كان اهالي المنطقة يتزودون منهما، في المقابل كنا نشتري السمك من اسواق رأس الخيمة رغم بعدها عنا، وكنا نصلها سيراً على الأقدام او بالجمال، وكانت قريبة من منطقة العبرة المحاذية لخور رأس الخيمة، واذكر أن «مشكاك» السمك كان يباع بأربعة نات (ربع روبية).
في تلك الايام كثيرا ما عاش أهل المنطقة رحلتي الصيف والشتاء، حيث كانوا يرتحلون عن رؤوس الجبال في الشتاء قاصدين الوادي ومنابع المياه والخير الكثير، وما ان يحل الصيف بحرارته حتى نعود الى بيوتنا على رؤوس الجبال مرة اخرى لبرودة الطقس، وهكذا كان تراتب الحياة سنويا، لم تكن منطقة «خت» مقتصرة على سكانها فقط .
انما كان يقصدها عدد من اهالي دبي والمناطق الأخرى لوجود عيون الماء المعدنية، واذكر ان اول سيارة دخلت منطقتنا جاءت من دبي لزيارة عيون الماء المعدنية، حينها استغرب الجميع منها، وعلى الصعيد الشخصي أول سيارة امتلكتها كانت في العام 1972 إبان انشاء الاتحاد.
وأذكر أن العديد من أبناء المنطقة كانوا يتوجهون إلى أبوظبي للحصول على «الشرهة» التي توازي الضمان الاجتماعي حاليا، حيث كان الشيخ زايد رحمه الله يوزعها على أبناء القبائل الأخرى قبل الاتحاد، وكانت تتراوح بين 100ـ 200 ريال، وكان الأهالي يذهبون إلى أبوظبي في سيارة «لاند روفر».
في بداية حياتي كنت وابناء منطقتي ندرس في المسجد على يد المطوع علي بن راشد بن علي النقبي وأخيه محمد، ثم انتقلنا إلى بيت أحمد الشريف لمدة عام تقريبا، انتقلنا بعدذلك إلى مدرسة خت التي بنيت بدعم من حكومة قطر وكانت مشتركة ومؤلفة من ستة صفوف.
حينها كان يعطى الطالب 30 ريال قطر ودبي شهريا، ولكني توقفت قليلا عن الدراسة قبل استكمال المرحلة الإعدادية، وكنت كغيري من الطلاب أذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام وكنت اقطع سبعة كيلو مترات للوصول إليها.
بعد الإعدادية لم تكن لدينا وظائف حكومية كما هو الحال اليوم، ولتأمين العيش انضممت منتصف عام 1971 إلى القوة المتحركة لرأس الخيمة التي تأسست في 1969، لم يكن هناك توحيد للقوات المسلحة الإماراتية، انما قوات محلية، مثل قوة دفاع أبوظبي التي انشئت عام 1966 وقوة دفاع دبي التي انشئت بعد قوة رأس الخيمة.
تلقيت تدريبي العسكري في معسكرات قوة كشافة ساحل عمان التي اسست في المنامة عام 1956 وكانت تحت القيادة البريطانية، وسلمت إلى الإمارات عام 1791 لتكون نواة الجيش، وأذكر أن المندوب السامي البريطاني في البحرين هو الذي أشرف على تخرجنا، ومن بعده أعلن عن انشاء الاتحاد، وسميت دفعتنا «دفعة الاتحاد»، وأول قوة عسكرية تم تأسيسها كانت باسم «القوات المسلحة الاتحادية»، وبالنسبة لنا بقينا في القوة المتحركة برأس الخيمة لتأخرها في الانضمام إلى الاتحاد.
أعلنت رأس الخيمة انضمامها للاتحاد وبذلك انصهرت قوتنا في القوات المسلحة الإماراتية، التي أسست في العام 1975 المناطق العسكرية، إلا إنها لم تدم طويلا وقسمت الدولة الى ألوية، وكنت ضمن لواء بدر وبقيت فيه 19 عاماً.
وفي العام 1990 انتقلت إلى لواء اليرموك حتى تقاعدي عام 1992، وخلال خدمتي العسكرية تدرجت حتى وصلت الى رتبة مقدم، كما شاركت في مهمات خارجية عدة مع قوات الردع العربية التي انشئت عام 1979، كما كلفت بمهمات انسانية بعد حرب الخليج الى جانب العديد من المهمات الأخرى.
بعد تقاعدي من الجيش، أسست وعدد من أبناء قبيلتي جمعية الشحوح للفن الشعبي التي اقود مجلس ادارتها حاليا، وتضم 750 عضوا، ومنذ تأسيسها نشطت في إحياء كل ما يتعلق بالتراث الوطني. ولشدة حبه للتراث اسس متحفه الخاص الذي افتتحه ولي عهد رأس الخيمة عام 2003، ويضم نحو 600 موروث، بعضها عن والده والبعض الآخر اشتراه من ماله الخاص.
أسلوب طيب
يقول عنه سالم علي الشحي، الموظف في وزارة الداخلية: عبدالله راشد صاحب أسلوب طيب في الحديث تحكمه أخلاقه الحميدة، التي تبرز في النخوة والكرم اللذين ورثهما عن أجداده، وهو محبوب ومتعاون مع الجميع، وقد اعتدنا الأخذ برأيه لعلمنا بأنه يوجهنا الى الطريق الصحيح، وأنا افخر بأن يكون زميلي وصديقي، وهو أكثرنا اهتماما بالتراث والأصالة ولا يمل الحديث عن الماضي والأجداد، ويعد من أكثر العارفين بتاريخ منطقتنا.
قيادي محنك
أما مريم الشحي، نائب رئيس جمعية الشحوح للفن الشعبي فقالت فيه: هو قيادي من الدرجة الأولى، ونحن نفتقد لمثل هذه الشخصية التي يغلب عليها الطابع الوطني، عقد تحت رعايته الملتقيين الوطنيين الأول والثاني لأعضاء المجلس الوطني برأس الخيمة.
وهو عصامي لم يعتمد في حياته على أحد، والجميع يشهد له بالفضل وكثرة العطاء والتعاون والعمل بروح الفريق وعدم الأنانية، الى جانب انه مرب فاضل، ربى ابناءه بشكل جيد، وهذا ما نلحظه فيهم اليوم، وقد انهوا جميعا التعليم العالي.
إضاءة
تأسست جمعية الشحوح للفن الشعبي في أبوظبي في 13 يناير 1992 بقرار معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية رقم (9) لسنة 1992، ويضم مجلس ادارتها 21 عضوا، في حين وصل عدد اعضائها الى 750 عضوا، وتعمل على ابراز وتنمية المواهب الثقافية والتراثية للشباب، وتسهم في خلق روح التآلف والتعارف بين الأعضاء.
كما تعمل على تطوير الفنون الشعبية وإبراز الوجه الاجتماعي والثقافي لقبائل الشحوح، وقد دأبت الجمعية منذ تأسيسها على القيام والمشاركة في العديد من النشاطات التي تتصل بإحياء التراث الوطني، حيث شاركت في عدد من الاستقبالات الدبلوماسية وقدمت عروضها في افراح اصحاب السمو الشيوخ، كما مثلت الفن الشعبي في احتفالات الدولة بدورة الخليج العربي الثانية عشرة لكرة القدم في مدينة زايد الرياضية عام.