قلعة الفهيدي.. ناصية دبي الأثرية

قلعة الفهيدي.. ناصية دبي الأثرية

منذ العام 1800 وبمساحة 733 متراً مربعاً تبدأ الحكاية من إمارة تستولد من التاريخ منابت الارتقاء




قلعة الفهيدي، منذ العام 1800 ميلادية وهي تخط للأبدية، رسماً ووشماً، وتخيط للذاكرة سمة وقيمة، ترفل برائحة وروح، ويستدرج المكان إلى زمان كان فيه الإنسان يقيس المسافة ما بين الحاضر والغد، بخطوات لهفته للتألق، وثبات صبوته نحو التأنق، ويسكب عرقه من معين الروح، وريحان الجسد، كان الإنسان يستقطب ما لديه من عفوية، لينسج حرير التعب على سجادة الزمن، ويكتب رسائل الوجد من حبر ينوعه، وخبر يفوعه، وبحر أشرعته الطالعة، نحو فضاءات وإيماءات وويحات وحومات، ومداهمات الأحاسيس المرهفة، ومشاغبات أجراس النبض الشغوف.

قلعة الفهيدي، حصن دبي القديم، وحضنها المديم، وغصنها القويم، وراحة الذين استراحوا، عند ظل النفوس المطمئنة، وأباحوا النوايا الرزينة، وأناخوا فوق الهوى عاشقات التربة والتريث في صناعة الأمل، وتصفيد المشاعر بأحلى الحلل، وتمهيد القلوب بما قل ودل، وتعبيد الدروب بأحداق ومُقل، وتعميد المبادئ عند قلعة الأزل، وتسديد الخطى بأحلام وعمل، وتبديد التشظي بطموحات لا تحيد ولا تزل، وتجديد العهود بصحائف لا تنسى ولا تكل، وترديد أنشودة الحياة على غصون اللوز والنخل المكتمل، وتغريد على لسان الطير النبيل المبجل، وتخليد الأصول والفصول في بيان وجُمل، وتفنيد العبارة في جملة فعلية صلبة لا ترتعد، وتجريد الطوايا من كل خاف مستبد، وتكبيد كل واش أو زنيم، كدر نكد، وتوطيد الوشائج بحبل من أحد، وتضميد الخواطر إن صابها شيء من حسد.

قلعة الفهيدي القابعة على كعب التراب، المتربعة عند خاصر الوجد الطفولي، نسيج فنارها يباب وبركة ماء، للباب نفوذ في التاريخ وللبركة سطوة في الارتواء، بمساحة تبلغ 733 متراً مربعاً، تبدأ حكاية التاريخ من هنا، من هذا الاتساع، من أحشاء أنجبت جنين الحياة، في إمارة تستولد من التاريخ منابت الارتقاء، وتستدعي من الجغرافيا فوح النشوء، وبوح الانطلاق بأحداق وأعناق، طالت المدى وعانقت شغاف النجوم، بهامة الشواهق.


منصة دائرية

قلعة الفهيدي، بمنصة دائرية في زاوية من الزوايا الأربع، والباب المفتوح للعالم، لفضاء يلون الذاكرة ويضع على صفحات التاريخ نقوش مرحلة مزملة ببخور الأوفياء وعطر النجباء وسحر النبلاء، وقدرة العظماء على تحرير الزمن من شوائب وخرائب وعواقب، وكتابة الرواية بفصول تجدد العهد لأصول.

ما بين الأعوام 1900 ـ 1920م برج مستطيل، تنسجه الحداثة بدماثة، بمحسنات بديعية طليعية، استقطبت ما للقريحة من بديعيات العقل، ومرهفات المقل، ما أعطى القلعة من بداهة في الخلق والإبداع، لإمتاع الذاكرة بما ترتله اللواعج، وما تسجله من مناهج في صناعة الجديد من قديم، وترتيب القديم في ثوب الجديد، وتأصيل التفاصيل وتفصيل ما يكمن في المختصر اليسير.. قلعة الفهيدي، كائن من زمن، يقف شاهداً على زمن، ومن محفظة التاريخ يجلي الكلام، ويخلي سبيل علامة الإبهام، ليسرد قصة عن قصة، ويحكي رواية عن حكاية، لكي لا تغيب الشمس ولا يأفل قمر، عن فكرة أزهارها من جملة تختبئ في معطف الذاكرة، وازدهارها من مفردة دفئها في مخمل المثابرة، وزهرها من عبارة مشمولة بفوح المغامرة.

قلعة الفهيدي، عقيدة وحياة، قصيدة وكبرياء، منيفة شمّاء، عالية بأنفة العظماء، هي دوحة النبلاء، هي صولة النجباء، هي نخوة الأصلاء، هي صبوة الأجلاء، هي الجلال والأعناق الطوال، هي السؤال المتطور عن موئل وموال، هي الحلم من سلالة وأحوال، قلعة الفهيدي، نشوة النوق في التوق، والشوق وصبابة الأفئدة، لنيل الحقيقة والتئام الحق، هي المسافر في فضاءات المجد التليد والعهد المجيد، والوعد الأكيد، والبعد البعيد، والكد الرغيد، والجد المريد، والرعد الرعيد، والمد المديد، والسعد السعيد.

قلعة الفهيدي، قامة الأرض القويمة، وشهامة وفخامة، وضخامة وعلامة، ومقامة واستدامة، وكرامة وضمة وقمة، وهمة ونجمة، وسمة وعِصمة، فكان للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الدور الجوهري والمحوري في صناعة مجدها، في افتتاح متحفها في العام 1971م، فجاشت القلعة بحلقة من حلقات الانفتاح على التاريخ مشرعة رحابة، وسحابة، ونجابة، ومهابة، منسكبة على الجغرافيا بزلال وجلال، محتفية بالإرث بسنام وشهاب، مقتفية أثر الأنام والأنساب، متتبعة خطوات الأعلام والأحباب.

قلعة الفهيدي، عند سواحل التاريخ، تقف اليوم محملقة في التفاصيل، متعلقة في الأثر الأصيل، متعانقة مع الليل، قلادة على نحر، بفرادة وسحر، بعنفوان الصلات، كأنها العابد المبتهل، كأنها الساجد المتبتل، كأنها الرافد والمنهل، كأنها المكابد وجداً والمجندل، كأنها القارص من عيون الشعر الهدِل، كأنها القابض على جمرة وعذل، كأنها الناهض على سفح معتدل، كأنها الرابض عند مقال يحموا فيه الجدل، كأنها الحافظ تلاوة الليل المنسدل، كأنها الحنين في السنين، الحالمات بالأمل، كأنها الشوق المصفد ببريق المقل، كأنها إمرأة من الزمان الجميل، والوقت المؤجل.

موقد من نور

قلعة الفهيدي، موقد من نور استدار على الحياة، إستعار من الوجود خلوداً واستراح مسترخياً على رمل، ومُقل وهبته المهج كل هذه العناية، منحته اللواعج كل هذه الرعاية، فتطور نسلاً من دهشة، متمادياً في الصمود.

قلعة الفهيدي، كف منقوش بحناء الفرح، ورف تزين بالإرث، صار الإرث أثراً طيباً، مستطيباً بطيب أنفاس الذين لونوا التاريخ بهبات ووثبات، وخطوات تتبع خطوات لإكمال محيط الدائرة الكوكبية، لثقافة شعب وحضارة وطن، وجهد سواعد عنيت بالهوى لأجل شفافية الروح، وخفة الأجنحة ورفة الجفون حين تكون الجفون صفحات كتاب نسخ عليها حرف الضاد، متكلماً عن صريح العبارة الصحراوية وبديع الظل، حين يكون الظل مهداً لأقدام نبشت في التراب، بحثاً عن ما يطفئ اللظى ويروي الشظف، ويملأ وعاء الشغف بعذب الطوية.. قلعة الفهيدي، اسم علم منذ القدم، وقبل أن يتكلم الطير وتنطق الصحراء ويهدر البحر، وقبل أن تختبئ الغيمة في معطف السماء، وقبل أن تضيء النجمة وجه القمر، وقبل أن تعرف الشمس خبايا الليل، وقبل أن يتسرب النهار إلى ثغور الظلام، وقبل أن يتحدث الظلام عن أسباب عتمته، وقبل أن تجاهر الكائنات بفضيلة الانتماء إلى التراب، وقبل أن يسافر أول مركب لاكتشاف المجهول في المعقول، والقبض على رشفة المعرفة من حلمة نازفة، وقبل أن تحبل الإناث ببطولات زائفة.

قلعة الفهيدي، بطل من شموع وأنامل، وسيل من دموع ومناهل، وهي كل الطين وكل أحلام الياسمين، وما نطق به الطير مغرداً باسمك يا وطن المحبين، بإسمك يا موئل العاشقين، باسمك يا غصناً وفناً..

قلعة الفهيدي، المنسوجة من خيوط الطين، المنحوتة من قماشة العشق الأزلي، المسفوفة سجادة من سعف ورفض، المسقوفة بأحلام وملامح الوجوه السمراء، المحفوفة بذهب وسغب، المعطوفة على تاريخ مستتب. قلعة الفهيدي، هي نخلة ونحلة، هي جملة متصلة، هي القافلة والسنبلة، هي سارية في المرحلة بعد المرحلة، هي جناح طائر تخلبه الزوايا المزملة، هي النقطة والفاصلة، هي السطر المزدحم بالمعاني، هي العبارة المتواصلة، هي الرحلة والراحلة في عميق الجذور في الثنايا الباسلة، هي الصبا والصبوة والصبابة، والقدرة المحتملة، هي النهر والنهار والدهور النابلة، هي المكان والتكوين والكون بكائناته المبجلة، هي السحر والحسابة، والسحنة والنافلة، هي السطر والسطوة والسيطرة والسطوع، والنصوع والقُبلة المسترسلة.

العرش والعش

قلعة الفهيدي، تغطي مساحة في التضاريس، تملأ باحة في الذاكرة، ترتدي ثوباً بلون الطين، تسترخي على وسادة زمن، وترمق السماء والنجوم حراس الطلعة البهية، وزوار الصباح والمساء، عشاق يدوزنون قصائدهم على نغم الهديل، ووشوشة النسيم، الطالع يافعاً من نافذه ومقله.

قلعة الفهيدي، تكتب تاريخ دبي، ومن طين الذاكرة تسرد حكاية البدء، وكيف كان الإنسان وكان البنيان، وكان البيان وكان التبيين، وتقول للآتين بشغف بعد شظف: أنا قلعة الإنسان، أنا رفة الأشجان، أنا الإنسان من طين وماء، من حنين وانواء، أنا كل ذاك الذي أشقى وأبقى، وأنا الأنقى، لأنني من نزيف كائن اسمه الإنسان، من نسل صحراء، من صلب واد غير ذي زرع، لكنه الاكتواء، لكنه الانضواء، أسس جمهورية الجمال على أرض نسجت بصفيه الخصال، ونقاء الخيال.

فأنجبت وطناً بقلاع، وقلاعاً بوطن، فأضحى الوطن قلعة، ومنعة ورفعة وجلالاً ووقاراً وحلماً، لا تتأجل مشاهده، ولا تتبدل صوره، ولا تتجندل طموحاته ولا تتسربل أمنياته.

قلعة الفهيدي، العرش والعش، والفراشة الملونة بالفرح، والقماشة المزخرفة بأشواق المحبين، ونخلة الوقت المظللة بسمات الذين جللوا المواقع بزنجلة ذهب الطين، وجوهر الجبين اللجين، قلعة الفهيدي، موقع وموقعة، وواقعة وقوقعة، وصفقة ماضوية، حذقة، وصفحة حاضرة لبقة، وصحيفة مستقبلية منمقة، وحصيفة ذهنية متناسقة، ولوعة الحاوين عند ربوة متلفعة بالرمل، وعرق النخب المرتفعة.. قلعة الفهيدي جزيرة بمحيط النابغات الشامخات، اليافعات، اليانعات، المخضبات باللهفة المترفة، وهي النفرة الواقفة، هي الهزة الواقية، هي العبرة الوافية، هي النبرة الكافية، هي المسافة ما بين ماض وحاضر، وما بين البين، ذاكرة مترعة، وبين البين وبين عقل بشري، يحطب في غابة الخصب، ويخضب ويستقطب، ويجلب، ويكسب ود النجوم الطالعة، ويخلب ويجذب، أعطافاً وأسيافاً وأسلافاً، وأكنافاً، ويكتب في سجل الأيام كيف بدأ الطين يصير دراً وداراً وجداراً، وكيف أمسى الجبين لجيناً في الأرض، يطالع وجه لجين السماء، وكيف استمد السعف هفهفة ورفرفة من رفيف المسهبات في الأنفة والصحوة المتخففة من أدران وأوزان، وأحزان وأشجان، وكيف وكيف تماهت الأعناق بهامات السحب، وقامات الكواكب النجب.

قلعة الفهيدي، صيحة وصحوة، وصدوح، وهي صرخة وصرح، هي سنحة وفسحة وسفح، هي هي المفتاح والمصباح، وهي الصباح المشرق على أنشودة النجاح، وتميز وانحياز للفرد، والتمرد على العادة القديمة والعديمة، قلعة الفهيدي، عند كل فجر ترشف من قهوة التاريخ، وتقرقع فناجين الذاكرة، مبتهجة متوهجة متماوجة، والنسيم الصحراوي بحرها، وذخرها، وجذرها، وخدرها، وسترها، ومدها وجزرها.