راعي شما
๑ . . مراقب برزات قبيلة الشحوح. . ๑
ما بال الذكرى هذا العام ليست كبقية الأعوام؟ وما بال اشراقة الثاني من ديسمبر على غير عادتها؟ وما بال الأرض التي كانت تنتشي فرحاً وطرباً خيم الحزن على أرجائها؟ وما بال رايات الفخر والسؤدد هكذا منكسة؟ وما بال الوجوم يسود المكان؟!
حتماً إنه لخطب عظيم، يزلزل الأرض، ويذيب القلب كمداً وغصة، وتتفطر الأفئدة عليه ففقد عزيز لديك يجعلك حائراً تائهاً، تتقاطر الدمعات من مآقيها عليه، فما الحال إذا كان الفقيد عزيز الأعزاء، وصانع الذكرى العظيمة، ومؤسس الصرح الكبير، وقادح شرارة الوحدة؟ حقاً إنها لخسارة فادحة لا تقدر بثمن ولا يمكن أن يتصورها عقل، فلم نكن نتصور أن يأتي يوم الاتحاد بدون أن يكون من أوجد الاتحاد غير موجود بين أظهرنا، فتغيب عنا تلك الابتسامة المشرقة التي تعودناها، وتغيب عنا تلك اليد الطاهرة الأبية وهي تلوح دائماً بالخير والعطاء.. تغيب عنا تلك الإطلالة العزيزة على قلوبنا، وأنت يا زايد الخير تستقبل بالبشر في مثل هذا اليوم إخوانك الكرام، ممن كانوا لك سنداً وعضُداً من أعضاء المجلس الأعلى حكام الامارات تؤكدون عاماً تلو الآخر على متانة البنيان، وصلابة الأساس واستمرارية سفينة الإمارات.. تبذلون الغالي والنفيس من أجل رفعة الوطن والمواطن.
تغيب عنا أيها الغالي، يا من منحتنا العز.. تغيب عنا أيها الكريم يا من غمرتنا بالكرم.. تغيب عنا أيها المعطاء يا من أعطيتنا كل شيء.. تغيب عنا ولغيابك حسرة وكمد، ولفراقك حزن وغصة، ولكنها مشيئة المولى عز وجل وقضاؤه، وكلنا مؤمنون إيماناً قوياً، وعزاؤنا أيها الفارس الهمام وأنت تترجل عن صهوة الحصان، انك أسست دولة يشار إليها بالبنان، دولة ذات أركان قوية، وأسس متينة بأيدي رجال أوفياء، سطروا ملحمة للعالم، وقدموا دروساً للدنيا في كيفية انتقال السلطة بحكمة وإتزان، وسلمت الأمانة للخلف الصالح، إلى من تربى في مدرسة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وتخرج من جامعته العامرة.. إلى من نهل الصفات الحميدة من منابعها الأصيلة، إلى من شرب فعل الخير من ينبوعه الصافي الزلال.
إننا في هذه المواقف الوطنية لنستلهم الدرس تلو الآخر، ونستذكر العبر لتكون لنا نبراساً في حياتنا، فزايد رحمه الله عندما راودته فكرة الوحدة لم يدَّخر غالياً ولا رخيصاً في سبيل إخراج الفكرة لحيز الوجود، برهن للعالم كيف تكون ارادة الرجال وكيف تتحقق الأماني والأحلام على أرض الواقع.. زايد سهر الليالي والأيام بهدف الاتحاد الذي وُلد فاشتد عوده وقوي بنيانه بفضل الله ورعاية زايد له، فسفينة الاتحاد رغم الأمواج المتلاطمة، والرياح الهائجة، أوصلها بحكمته المعهودة وجسارته وصبره على الشدائد الى مرافىء الأمان.
زايد سطَّر بمداد من ذهب كيف تكون المسؤولية، وكيف يكون الراعي لرعيته، وكيف يكون كسب القلوب، وصاغ أبجديات العطاء، وحفر اسمه الغالي في قلوب أبناء شعبه بطريقة أبهرت العالم وحيرت المراقبين، فتقاطر الناس على حبه أفواجاً أفواجاً من دون إكراه ولا خوف. مسجلين اسمه في سجل الخالدين.
وتلمس زايد رحمه الله حاجات الناس وشاركهم أفراحهم وأتراحهم وقدَّم نموذجاً فريداً في القيادة التي تؤمن إيماناً قوياً بالقرب من الأفراد والجماعات، وذلك من خلال الجولات الميدانية الكريمة التي صاحبت انطلاقة المسيرة الوحدوية المظفرة، فلم يبق شبر من الدولة إلا ووضع زايد قدمه الكريمة عليه. على امتدادا الوطن الغالي من الجير في الشمال إلى السلع ومن جبال وسهول الفجيرة إلى واحات العين.. ما تكاد قدمه الكريمة تطأ مكاناً إلا والخير والرخاء وراءها، في جميع المجالات.
فلنحافظ معاً على هذا الكيان، ولنبذل الغالي والنفيس ولنعض عليه بالنواجذ فهو قدرنا، ولنعزز الكيان الاتحادي بمؤسساته وكوادره وأفراده مثلما أراده زايد وفاء وتقديراً وتكريماً، ولنجدد كل صباح الدعوة للعمل للاتحاد ولترسيخ مبادئه ولنردد جميعاً اللهم يا رب السموات والأرض، اغفر لزايد وارحمه واجعل قبره روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.
منقول من جريدة الخليج (( منبر القراء ))
كاتب الموضوع خميـس الشحـــي
الأربعــــاء 8 - 12 - 2004