راعي شما
๑ . . مراقب برزات قبيلة الشحوح. . ๑
هطول امطار الخير على مختلف مناطق الدولة المتزامنة مع كارثة تسونامي في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، وبعد انقطاع طويل، أصابت الحرث والنسل، وعلى أثرها خرجت العائلات تغمرها الفرحة تتفقد آثاره صوب البراري والجبال وهي تزدان بلون الاخضرار، وإن دل هذا فإنما يدل على ماضي الآباء والأجداد الذين نستقي منهم التراث والميراث الوثيق، وهو مصدر مفخرة ودليل دامغ على أصالتهم ورسوخ جذورهم في المنطقة، وقد حقق حساب التقويم المحلي المعروف باسم “نظام الدر” الذي يعتمد عليه الاماراتيون في معرفة الظروف المناخية، وأوقات زراعة المحاصيل والصيد البحري أكبر نجاح، ولذلك يعتز الخلف في الوقت الحاضر به، ويمعنون في المحافظة عليه من الاندثار، وقد ظهر ذلك جليا في حياة الشحوح بالمقارنة مع اخوانهم قبائل الدولة وذلك كونهم يقطنون في مناطقهم الجبلية المعروفة باسم “رؤوس الجبال” وهي من أكثر المناطق قسوة ووعورة، فأثر ذلك في أجسادهم ونظام حياتهم، وانتقالهم إلى السكن في بيوت عدة مع بداية كل فصل خير برهان، ويعتبر بيت القفل الشتوي حصنا منيعا يقي قاطنه من البرد القارس والمطر الغزير، ولهذا الغرض يجتمع أفراد الأسرة داخله للجلوس والنوم وطهو الطعام، ولا ريب أن للرعد دلالات في نفوسهم وكثرة إرعاده يشير إلى غزارة الأمطار المبشرة بنمو فصائل مختلفة من الاعشاب والشجيرات في الجبال بصفة عامة، مثل السيداف والحميض والضيع والتين البري (السقب) والأستن وشجرة النيل والنغش والقنفر والفوطن والغتة، والكثير الكثير من النباتات التي تنفرد بها مناطق رؤوس الجبال خلال الخصب وسقوط الأمطار التي يتنافس عليها الانسان والحيوان في أكلها والتطبب بها، وتترك اثرا ايجابيا في النفوس.
وتشاع اخبار المطر في المناطق الجدباء ليحدوهم الأمل بسقوطه في مناطقهم، وعندما يهطل تتناقل أخباره بين العشائر ويوصف حجم الرذاذ المتساقط بالمصطلحات الشعبية لدى الشحوح، فإن كان رذاذاً ناعما يطلق عليه “نفاف” وان كانت زخات غزيرة، يطلق عليها، “نشحة” وبعض العشائر تنطقها “رشحة” وخلال هطولها فإن تحدُّر “الفحول” وهي جريان الأودية والشعاب من قمم الجبال يفرحهم فيرددون قول “وا رشحة الحرش دومي اسقي سكر ولومي”، وإن كان المطر غزيرا وهو بعيد عن مناطقهم وفي مرمى النظر يُعرف باسم “السقي” والمطر في مناطق الجبال مشهد يفرح به السكان حيث يوعدهم بحياة خصبة ويجعلهم يستعدون لحرث الأحواض الزراعية التي تعرف باسم “الوعوب” وتزرع بأنواع من الحبوب كالدخن والبر الذي يستهلك جزء منه بعد الحصاد، ويباع الباقي في أسواق مدن الدولة، والفرحة بهدير السيول تطرب الشباب والأطفال فينشدون بأصوات صداحة تستسيغها الأذن، ويعتز الشحي بانحدار السيول في الشعاب والأودية إلى بيت القفل الذي لا تؤثر فيه العوامل الجوية، ويردد بثقة بعض العبارات والأمثلة مثل: “واهلِّي وابلِّي انا في سويت أزرقي” وعندما تطول مدة الأمطار وتمنعهم من الخروج لممارسة أعمالهم الاعتيادية يرددون مقولات مشوبة بالملل مثل: “يا الله بالصفو العيايز تقصفو” وإن كان العكس وحاجتهم للمطر رددوا: “يا الله بالسيل ضحى وبالليل يسقي وعبنا ويطيح لبحور” وعند بروز قوس قزح في السماء تعم الفرحة مختلف الأعمار، ويتأكد لديهم أن الغيوم سوف تنقشع، وسوف تصفو السماء، فترتفع أصوات الأطفال بقول: “قزحت قزيحوه الخضرة لنا والحمرة لكم”، وإن كان الآباء والأجداد من ممارسي صيد الأسماك، فعند مشاهدتهم البرق ليلا يخرجون من بيوتهم المعلقة في الجبال، وفي عجلة يتخطون الكتل الصخرية في الطرق الوعرة على ضوء البرق مسرعين لإنقاذ قواربهم التي في المرسى قرب الساحل الصخري حيث يأخذونها ويذهبون بها إلى أماكن أكثر أمانا بين الخلجان، مطبقين المثل الشعبي المحلي الذي يقول: “برق الليل بندر به وبرق الفجر سافر به”.
منقول من جريدة الخليج ((منبر القراء))
من الكاتب المعروف عبدالله العقبي الشحـي
راعي العقبه
تاريخ النشر 22 - 1- 2005
Saturday
وتشاع اخبار المطر في المناطق الجدباء ليحدوهم الأمل بسقوطه في مناطقهم، وعندما يهطل تتناقل أخباره بين العشائر ويوصف حجم الرذاذ المتساقط بالمصطلحات الشعبية لدى الشحوح، فإن كان رذاذاً ناعما يطلق عليه “نفاف” وان كانت زخات غزيرة، يطلق عليها، “نشحة” وبعض العشائر تنطقها “رشحة” وخلال هطولها فإن تحدُّر “الفحول” وهي جريان الأودية والشعاب من قمم الجبال يفرحهم فيرددون قول “وا رشحة الحرش دومي اسقي سكر ولومي”، وإن كان المطر غزيرا وهو بعيد عن مناطقهم وفي مرمى النظر يُعرف باسم “السقي” والمطر في مناطق الجبال مشهد يفرح به السكان حيث يوعدهم بحياة خصبة ويجعلهم يستعدون لحرث الأحواض الزراعية التي تعرف باسم “الوعوب” وتزرع بأنواع من الحبوب كالدخن والبر الذي يستهلك جزء منه بعد الحصاد، ويباع الباقي في أسواق مدن الدولة، والفرحة بهدير السيول تطرب الشباب والأطفال فينشدون بأصوات صداحة تستسيغها الأذن، ويعتز الشحي بانحدار السيول في الشعاب والأودية إلى بيت القفل الذي لا تؤثر فيه العوامل الجوية، ويردد بثقة بعض العبارات والأمثلة مثل: “واهلِّي وابلِّي انا في سويت أزرقي” وعندما تطول مدة الأمطار وتمنعهم من الخروج لممارسة أعمالهم الاعتيادية يرددون مقولات مشوبة بالملل مثل: “يا الله بالصفو العيايز تقصفو” وإن كان العكس وحاجتهم للمطر رددوا: “يا الله بالسيل ضحى وبالليل يسقي وعبنا ويطيح لبحور” وعند بروز قوس قزح في السماء تعم الفرحة مختلف الأعمار، ويتأكد لديهم أن الغيوم سوف تنقشع، وسوف تصفو السماء، فترتفع أصوات الأطفال بقول: “قزحت قزيحوه الخضرة لنا والحمرة لكم”، وإن كان الآباء والأجداد من ممارسي صيد الأسماك، فعند مشاهدتهم البرق ليلا يخرجون من بيوتهم المعلقة في الجبال، وفي عجلة يتخطون الكتل الصخرية في الطرق الوعرة على ضوء البرق مسرعين لإنقاذ قواربهم التي في المرسى قرب الساحل الصخري حيث يأخذونها ويذهبون بها إلى أماكن أكثر أمانا بين الخلجان، مطبقين المثل الشعبي المحلي الذي يقول: “برق الليل بندر به وبرق الفجر سافر به”.
منقول من جريدة الخليج ((منبر القراء))
من الكاتب المعروف عبدالله العقبي الشحـي
راعي العقبه
تاريخ النشر 22 - 1- 2005
Saturday