• مرحبا ٬ في حال تعتذر تسجيل الدخول ، يرجى عمل استرجاع كلمه المرور هنا

تفسيــر سور جــزء عــم كاملا للعلامة السعدي رحمه الله

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة الهمزة

وهي مكية

‏[‏1 ـ 9‏]‏ ‏‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {‏وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ‏}‏

‏{‏وَيْلٌ‏}‏ أي‏:‏ وعيد، ووبال، وشدة عذاب ‏{‏لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ‏}‏ الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز‏:‏ الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز‏:‏ الذي يعيبهم بقوله‏.‏

ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك، ‏{‏يَحْسَبُ‏}‏ بجهله ‏{‏أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ‏}‏ في الدنيا، فلذلك كان كده وسعيه كله في تنمية ماله، الذي يظن أنه ينمي عمره، ولم يدر أن البخل يقصف الأعمار، ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر‏.‏

‏{‏كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ‏}‏ أي‏:‏ ليطرحن ‏{‏فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ‏}‏ تعظيم لها، وتهويل لشأنها‏.‏

ثم فسرها بقوله‏:‏ ‏{‏نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ‏}‏ التي وقودها الناس والحجارة ‏{‏الَّتِي‏}‏ من شدتها ‏{‏تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ‏}‏ أي‏:‏ تنفذ من الأجسام إلى القلوب‏.‏

ومع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها، قد أيسوا من الخروج منها، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ‏}‏ أي‏:‏ مغلقة ‏{‏فِي عَمَدٍ‏}‏ من خلف الأبواب ‏{‏مُمَدَّدَةٍ‏}‏ لئلا يخرجوا منها ‏{‏كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا‏}‏ ‏.‏

‏[‏نعوذ بالله من ذلك، ونسأله العفو والعافية‏]‏‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة والعصر ‏[‏وهي‏]‏

مكية

‏[‏1 ـ 3‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{‏وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‏}‏

أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح‏.‏

والخسار مراتب متعددة متفاوتة‏:‏

قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم‏.‏

وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات‏:‏

الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به‏.‏

والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة‏.‏

والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي‏:‏ يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه‏.‏

والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة‏.‏

فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح ‏[‏العظيم‏]‏‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة ألهاكم التكاثر

وهي مكية

‏[‏1 ـ 8‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ‏}‏

يقول تعالى موبخًا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له، ومعرفته، والإنابة إليه، وتقديم محبته على كل شيء‏:‏ ‏{‏أَلْهَاكُمُ‏}‏ عن ذلك المذكور ‏{‏التَّكَاثُرُ‏}‏ ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون، من التكاثر في الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود، والخدم، والجاه، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى‏.‏

فاستمرت غفلتكم ولهوتكم ‏[‏وتشاغلكم‏]‏ ‏{‏حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ‏}‏ فانكشف لكم حينئذ الغطاء، ولكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه‏.‏

ودل قوله‏:‏ ‏{‏حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ‏}‏ أن البرزخ دار مقصود منها النفوذ إلى الدار الباقية ، أن الله سماهم زائرين، ولم يسمهم مقيمين‏.‏

فدل ذلك على البعث والجزاء بالأعمال في دار باقية غير فانية، ولهذا توعدهم بقوله‏:‏ ‏{‏كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ‏}‏ أي‏:‏ لو تعلمون ما أمامكم علمًا يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة‏.‏

ولكن عدم العلم الحقيقي، صيركم إلى ما ترون، ‏{‏لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ‏}‏ أي‏:‏ لتردن القيامة، فلترون الجحيم التي أعدها الله للكافرين‏.‏

‏{‏ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ‏}‏ أي‏:‏ رؤية بصرية، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا‏}‏ ‏.‏

‏{‏ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ‏}‏ الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به، على معاصيه، فينعمكم نعيمًا أعلى منه وأفضل‏.‏

أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره‏؟‏ بل ربما استعنتم به على معاصي الله فيعاقبكم على ذلك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ‏}‏ الآية‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة القارعة

‏[‏وهي‏]‏ مكية

‏[‏1 ـ 11‏]‏ ‏‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {‏الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ‏}‏

‏{‏الْقَارِعَةُ‏}‏ من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك، لأنها تقرع الناس وتزعجهم بأهوالها، ولهذا عظم أمرها وفخمه بقوله‏:‏ ‏{‏الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ‏}‏ من شدة الفزع والهول، ‏{‏كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث‏}‏ أي‏:‏ كالجراد المنتشر، الذي يموج بعضه في بعض، والفراش‏:‏ هي الحيوانات التي تكون في الليل، يموج بعضها ببعض لا تدري أين توجه، فإذا أوقد لها نار تهافتت إليها لضعف إدراكها، فهذه حال الناس أهل العقول، وأما الجبال الصم الصلاب، فتكون ‏{‏كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ‏}‏ أي‏:‏ كالصوف المنفوش، الذي بقي ضعيفًا جدًا، تطير به أدنى ريح، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ‏}‏ ثم بعد ذلك، تكون هباء منثورًا، فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد، فحينئذ تنصب الموازين، وينقسم الناس قسمين‏:‏ سعداء وأشقياء، ‏{‏فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ‏}‏ أي‏:‏ رجحت حسناته على سيئاته ‏{‏فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ‏}‏ في جنات النعيم‏.‏

‏{‏وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ‏}‏ بأن لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته‏.‏

‏{‏فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ‏}‏ أي‏:‏ مأواه ومسكنه النار، التي من أسمائها الهاوية، تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا‏}‏ ‏.‏

وقيل‏:‏ إن معنى ذلك، فأم دماغه هاوية في النار، أي‏:‏ يلقى في النار على رأسه‏.‏

‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَه‏}‏ وهذا تعظيم لأمرها، ثم فسرها بقوله هي‏:‏ ‏{‏نَارٌ حَامِيَةٌ‏}‏ أي‏:‏ شديدة الحرارة، قد زادت حرارتها على حرارة نار الدنيا سبعين ضعفًا‏.‏ نستجير بالله منها‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة العاديات

وهي مكية

‏[‏1 ـ 11‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ‏}‏

أقسم الله تبارك وتعالى بالخيل، لما فيها من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة، ما هو معلوم للخلق‏.‏

وأقسم ‏[‏تعالى‏]‏ بها في الحال التي لا يشاركها ‏[‏فيه‏]‏ غيرها من أنواع الحيوانات، فقال‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ أي‏:‏ العاديات عدوًا بليغًا قويًا، يصدر عنه الضبح، وهو صوت نفسها في صدرها، عند اشتداد العدو‏.‏

‏{‏فَالْمُورِيَاتِ‏}‏ بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار ‏{‏قَدْحًا‏}‏ أي‏:‏ تقدح النار من صلابة حوافرهن ‏[‏وقوتهن‏]‏ إذا عدون، ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ‏}‏ على الأعداء ‏{‏صُبْحًا‏}‏ وهذا أمر أغلبي، أن الغارة تكون صباحًا، ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ بعدوهن وغارتهن ‏{‏نَقْعًا‏}‏ أي‏:‏ غبارًا، ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ براكبهن ‏{‏جَمْعًا‏}‏ أي‏:‏ توسطن به جموع الأعداء، الذين أغار عليهم‏.‏

والمقسم عليه، قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ أي‏:‏ لمنوع للخير الذي عليه لربه‏.‏

فطبيعة ‏[‏الإنسان‏]‏ وجبلته، أن نفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليه من الحقوق المالية والبدنية، إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق، ‏{‏وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ إن الإنسان على ما يعرف من نفسه من المنع والكند لشاهد بذلك، لا يجحده ولا ينكره، لأن ذلك أمر بين واضح‏.‏ ويحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي‏:‏ إن العبد لربه لكنود، والله شهيد على ذلك، ففيه الوعيد، والتهديد الشديد، لمن هو لربه كنود، بأن الله عليه شهيد‏.‏

‏{‏وَإِنَّهُ‏}‏ أي‏:‏ الإنسان ‏{‏لِحُبِّ الْخَيْرِ‏}‏ أي‏:‏ المال ‏{‏لَشَدِيدُ‏}‏ أي‏:‏ كثير الحب للمال‏.‏

وحبه لذلك، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدم شهوة نفسه على حق ربه، وكل هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة، ولهذا قال حاثًا له على خوف يوم الوعيد‏:‏

‏{‏أَفَلَا يَعْلَمُ‏}‏ أي‏:‏ هلا يعلم هذا المغتر ‏{‏إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ‏}‏ أي‏:‏ أخرج الله الأموات من قبورهم، لحشرهم ونشورهم‏.‏

‏{‏وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ‏}‏ أي‏:‏ ظهر وبان ‏[‏ما فيها و‏]‏ ما استتر في الصدور من كمائن الخير والشر، فصار السر علانية، والباطن ظاهرًا، وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم‏.‏

‏{‏إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ‏}‏ أي مطلع على أعمالهم الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، ومجازيهم عليها‏.‏ وخص خبره بذلك اليوم، مع أنه خبير بهم في كل وقت، لأن المراد بذلك، الجزاء بالأعمال الناشئ عن علم الله واطلاعه‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة إذا زلزلت

وهي مدنية

‏[‏1 ـ 8‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏

يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم‏.‏

فتندك جبالها، وتسوى تلالها، وتكون قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمت‏.‏

‏{‏وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا‏}‏ أي‏:‏ ما في بطنها، من الأموات والكنوز‏.‏

‏{‏وَقَالَ الْإِنْسَانُ‏}‏ إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم مستعظمًا لذلك‏:‏ ‏{‏مَا لَهَا‏}‏ ‏؟‏ أي‏:‏ أي شيء عرض لها‏؟‏‏.‏

‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ‏}‏ الأرض ‏{‏أَخْبَارَهَا‏}‏ أي‏:‏ تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم، ذلك ‏{‏بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏ ‏[‏أي‏]‏ وأمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصى لأمره ‏.‏

‏{‏يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ‏}‏ من موقف القيامة، حين يقضي الله بينهم ‏{‏أَشْتَاتًا‏}‏ أي‏:‏ فرقًا متفاوتين‏.‏ ‏{‏لِيُرَوْا أَعْمَالَهُم‏}‏ أي‏:‏ ليريهم الله ما عملوا من الحسنات والسيئات، ويريهم جزاءه موفرًا‏.‏

‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ وهذا شامل عام للخير والشر كله، لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، ‏[‏وجوزي عليها‏]‏ فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا‏}‏ ‏{‏وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا‏}‏

وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلًا، والترهيب من فعل الشر ولو حقيرًا‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة لم يكن

وهي مدنية

‏[‏1 ـ 8‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏}‏ أي‏:‏ ‏[‏من‏]‏ اليهود والنصارى ‏{‏وَالْمُشْرِكِينَ‏}‏ من سائر أصناف الأمم‏.‏

‏{‏مُنْفَكِّينَ‏}‏ عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي‏:‏ لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين إلا كفرًا‏.‏

‏{‏حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ‏}‏ الواضحة، والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال‏:‏ ‏{‏رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابًا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً‏}‏ أي‏:‏ محفوظة عن قربان الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، لأنها في أعلى ما يكون من الكلام‏.‏

ولهذا قال عنها‏:‏ ‏{‏فِيهَا‏}‏ أي‏:‏ في تلك الصحف ‏{‏كُتُبٌ قَيِّمَةٌ‏}‏ أي‏:‏ أخبار صادقة، وأوامر عادلة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، فإذا جاءتهم هذه البينة، فحينئذ يتبين طالب الحق ممن ليس له مقصد في طلبه، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة‏.‏

وإذا لم يؤمن أهل الكتاب لهذا الرسول وينقادوا له، فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم، فإنهم ما تفرقوا واختلفوا وصاروا أحزابًا ‏{‏إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ‏}‏ التي توجب لأهلها الاجتماع والاتفاق، ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم، لم يزدهم الهدى إلا ضلالًا، ولا البصيرة إلا عمى، مع أن الكتب كلها جاءت بأصل واحد، ودين واحد فما أمروا في سائر الشرائع إلا أن يعبدوا ‏{‏اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏ أي‏:‏ قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله، وطلب الزلفى لديه، ‏{‏حُنَفَاءَ‏}‏ أي‏:‏ معرضين ‏[‏مائلين‏]‏ عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد‏.‏ وخص الصلاة والزكاة ‏[‏بالذكر‏]‏ مع أنهما داخلان في قوله ‏{‏لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ‏}‏ لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين‏.‏

‏{‏وَذَلِكَ‏}‏ أي التوحيد والإخلاص في الدين، هو ‏{‏دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ أي‏:‏ الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم‏.‏

ثم ذكر جزاء الكافرين بعدما جاءتهم البينة، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏ قد أحاط بهم عذابها، واشتد عليهم عقابها، ‏{‏خَالِدِينَ فِيهَا‏}‏ لا يفتر عنهم العذاب، وهم فيها مبلسون، ‏{‏أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ‏}‏ لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وخسروا الدنيا والآخرة‏.‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ‏}‏ لأنهم عبدوا الله وعرفوه، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة، ‏{‏جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ‏}‏ أي‏:‏ جنات إقامة، لا ظعن فيها ولا رحيل، ولا طلب لغاية فوقها، ‏{‏تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ‏}‏ فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه، ورضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات وجزيل المثوبات ‏{‏ذَلِكَ‏}‏ الجزاء الحسن ‏{‏لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ‏}‏ أي‏:‏ لمن خاف الله، فأحجم عن معاصيه، وقام بواجباته‏.‏

‏[‏تمت بحمد لله‏]‏‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة القدر

‏[‏وهي‏]‏ مكية

‏[‏1 ـ 5‏]‏ ‏‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏‏.‏

يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ‏}‏ وذلك أن الله ‏[‏تعالى‏]‏ ، ابتدأ بإنزاله في رمضان ‏[‏في‏]‏ ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا‏.‏

وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية‏.‏

ثم فخم شأنها، وعظم مقدارها فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ‏}‏ أي‏:‏ فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم‏.‏

‏{‏لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ أي‏:‏ تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر ‏[‏خالية منها‏]‏، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلًا، نيفًا وثمانين سنة‏.‏

‏{‏تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا‏}‏ أي‏:‏ يكثر نزولهم فيها ‏{‏مِنْ كُلِّ أَمْر سَلَامٌ هِيَ‏}‏ أي‏:‏ سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها، ‏{‏حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏ أي‏:‏ مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر ‏.‏

وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصًا في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة‏.‏

ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر ‏[‏والله أعلم‏]‏‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة اقرأ

‏[‏وهي‏]‏ مكية

‏[‏1 ـ 19‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب‏}‏

هذه السورة أول السور القرآنية نزولًا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأمره أن يقرأ، فامتنع، وقال‏:‏ ‏{‏ما أنا بقارئ‏}‏ فلم يزل به حتى قرأ‏.‏ فأنزل الله عليه‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ عموم الخلق، ثم خص الإنسان، وذكر ابتداء خلقه ‏{‏مِنْ عَلَقٍ‏}‏ فالذي خلق الإنسان واعتنى بتدبيره، لا بد أن يدبره بالأمر والنهي، وذلك بإرسال الرسول إليهم ، وإنزال الكتب عليهم، ولهذا ذكر بعد الأمر بالقراءة، خلقه للإنسان‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ‏}‏ أي‏:‏ كثير الصفات واسعها، كثير الكرم والإحسان، واسع الجود، الذي من كرمه أن علم بالعلم ‏.‏

و ‏{‏عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم‏}‏ فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم‏.‏

فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ به العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلًا للناس تنوب مناب خطابهم، فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور، ثم من عليهم بالغنى وسعة الرزق، ولكن الإنسان ـ لجهله وظلمهـ إذا رأى نفسه غنيًا، طغى وبغى وتجبر عن الهدى، ونسي أن إلى ربه الرجعى، ولم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال أنه يترك الهدى بنفسه، ويدعو ‏[‏غيره‏]‏ إلى تركه، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان‏.‏ يقول الله لهذا المتمرد العاتي‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ‏}‏ أيها الناهي للعبد إذا صلى ‏{‏إِنْ كَانَ‏}‏ العبد المصلي ‏{‏عَلَى الْهُدَى‏}‏ العلم بالحق والعمل به، ‏{‏أَوْ أَمْرٍ‏}‏ غيره ‏{‏بِالتَّقْوَى‏}‏ ‏.‏

فهل يحسن أن ينهى، من هذا وصفه‏؟‏ أليس نهيه، من أعظم المحادة لله، والمحاربة للحق‏؟‏ فإن النهي، لا يتوجه إلا لمن هو في نفسه على غير الهدى، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى‏.‏

‏{‏أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ‏}‏ الناهي بالحق ‏{‏وَتَوَلَّى‏}‏ عن الأمر، أما يخاف الله ويخشى عقابه‏؟‏

‏{‏أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى‏}‏ ما يعمل ويفعل‏؟‏‏.‏

ثم توعده إن استمر على حاله، فقال‏:‏ ‏{‏كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ‏}‏ عما يقول ويفعل ‏{‏لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ‏}‏ أي‏:‏ لنأخذن بناصيته، أخذًا عنيفًا، وهي حقيقة بذلك، فإنها ‏{‏نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ‏}‏ أي‏:‏ كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها‏.‏

‏{‏فَلْيَدْعُ‏}‏ هذا الذي حق عليه العقاب ‏{‏نَادِيَهُ‏}‏ أي‏:‏ أهل مجلسه وأصحابه ومن حوله، ليعينوه على ما نزله به، ‏{‏سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏ أي‏:‏ خزنة جهنم، لأخذه وعقوبته، فلينظر أي‏:‏ الفريقين أقوى وأقدر‏؟‏ فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة، وأما حالة المنهي، فأمره الله أن لا يصغى إلى هذا الناهي ولا ينقاد لنهيه فقال‏:‏ ‏{‏كَلَّا لَا تُطِعْهُ‏}‏ ‏[‏أي‏:‏‏]‏ فإنه لا يأمر إلا بما فيه خسارة الدارين، ‏{‏وَاسْجُد‏}‏ لربك ‏{‏وَاقْتَرَبَ‏}‏ منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات، فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه‏.‏

وهذا عام لكل ناه عن الخير ومنهي عنه، وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل حين نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة، وعبث به وآذاه‏.‏ تمت ولله الحمد‏.‏
 

آل بهلـول

๑ . . عضو مخضرم . . ๑
التسجيل
29 يونيو 2008
رقم العضوية
9183
المشاركات
7,351
مستوى التفاعل
1,077
العمر
42
الجنس
الإقامة
~** قلبي في المسجد **~

تفسير سورة والتين

وهي مكية

‏[‏1 ـ 8‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{‏وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ‏}‏

‏(‏التين‏)‏ هو التين المعروف، وكذلك ‏{‏الزَّيْتُونَ‏}‏ أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام‏.‏

‏{‏وَطُورِ سِينِينَ‏}‏ أي‏:‏ طور سيناء، محل نبوة موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

‏{‏وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ‏}‏ وهي‏:‏ مكة المكرمة، محل نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها وابتعث منها أفضل النبوات وأشرفها‏.‏

والمقسم عليه قوله‏:‏ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏ أي‏:‏ تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرًا أو باطنًا شيئًا، ومع هذه النعم العظيمة، التي ينبغي منه القيام بشكرها، فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم، مشتغلون باللهو واللعب، قد رضوا لأنفسهم بأسافل الأمور، وسفساف الأخلاق، فردهم الله في أسفل سافلين، أي‏:‏ أسفل النار، موضع العصاة المتمردين على ربهم، إلا من من الله عليه بالإيمان والعمل الصالح، والأخلاق الفاضلة العالية، ‏{‏فَلَهُم‏}‏ بذلك المنازل العالية، و ‏{‏أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏}‏ أي‏:‏ غير مقطوع، بل لذات متوافرة، وأفراح متواترة، ونعم متكاثرة، في أبد لا يزول، ونعيم لا يحول، أكلها دائم وظلها، ‏{‏فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ‏}‏ أي‏:‏ أي‏:‏ شيء يكذبك أيها الإنسان بيوم الجزاء على الأعمال، وقد رأيت من آيات الله الكثيرة ما به يحصل لك اليقين، ومن نعمه ما يوجب عليك أن لا تكفر بشيء مما أخبرك به، ‏{‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ‏}‏ فهل تقتضي حكمته أن يترك الخلق سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون‏؟‏

أم الذي خلق الإنسان أطوارًا بعد أطوار، وأوصل إليهم من النعم والخير والبر ما لا يحصونه، ورباهم التربية الحسنة، لا بد أن يعيدهم إلى دار هي مستقرهم وغايتهم، التي إليها يقصدون، ونحوها يؤمون‏.‏ تمت ولله الحمد‏.‏
 
عودة
أعلى