الحلقة الثانية والعشرون
في مثل هذا اليوم 30 اكتوبر 2008 الخميس الساعة 9:30 صباحاً
دخلت بوابة مستشفى "لندن كلينك" ثم اتجهت الى الدور الثاني عن طريق الدرج وانا اشعر بسكينة ...وصلت الدور الثاني في ذلك الممر الطويل. فرأيت الممرض "مايكل" الفلبيني .. وهو صديقنا في المستشفى. كان محترم ومتفاعل معنا.. فرايته من بعيد وعندما رآني انزل راسة ودخل في اقرب فتحة على يساره !!!.. وانا ارى هذا المنظر.! زادت نبضات قلبي وشعرت بان شيء ما حصل . زادت الحيرة في ذلك الوقت. ثم رأيت الدكتور مع رئيسة الممرضات "ديانة" وهي صديقة ام شما وكانت تمازحنا . وكنت في مشاجرات معها بخصوص اللغة.. لان الشعب الاسكتلندي يتحدث اللغة الانجليزية بحذف بعض الحروف مما نجد صعوبة في فهم المطلوب ..
عندما رأتني انزلت راسها وهي ماشية بجانب الدكتور في ذلك الممر الطويل باتجاهي. حتى وصلوا عندي.. فامسكني الدكتور من يدي قائلاً ...كيف حالك ؟. فقلت الحمد لله باللغة العربية . تبسم ثم قال. ممكن ان تأتي معي.. وانا ارى عين الممرضة "ديانة" لا تبشر بخير !!!. ثم مشينا بعكس طريقي الذي اتيت منه. في الدور الثاني. حتى ادخلوني في غرفة كبيرة على اليسار.
جلست مقابل الدكتور وديانه. وانا في انتظار وترقب وحيرة .كان الدكتور مبتسماً و"ديانة" محمرة العين . فقال الدكتور. كانت الجرعة كبيرة. وهذا هو الحل الوحيد للقضاء على الخلايا السرطانية .( حقل تجارب) فانحنيت قليلاً حتى لمس كوعي الركبة . وانا اشاهد الدكتور بصمت . واكمل حديثة قائلاً . كان تأثير الكيماوي على القلب والرئة .... حينها ايقنت انه حان وقت الرحيل. ولم اتحمل ما يقول . فقلت بصوت خافت هل ماتت.؟؟؟ سكت الدكتور قليلاً ... كانت تلك السكته التي لا رجاء فيها. ثم قال .. ماذا تضنون انه قال ؟ .... !!! قال Sorry she died لقد ماتت ..
.( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). لقمان. (تبعثرت الاوراق في لندن) بل تبعثرنا جميعاً ... لقد ماتت وتركت لي 3 بنات في عمر الزهور.. لقد ماتت وتركت كل الهموم. لقد ماتت وهي في عمر 27 سنة . لقد ماتت بعد عشرة 12 سنة . لقد ماتت وهي مبطونه (ورد في الحديث أن المبطون شهيد) فهو صاحب داء البطن. لقت ماتت وهي بعيدة عن وطنها . لقد ماتت بمرض السرطان. اجاركم الله والمسلمين جميعاً .(واشوف حلمي مات قدام عيني). فقلت للدكتور الحمد لله .. ولم اجزع لانها ارتاحت.. ولأني مؤمن بقضاء الله وقدرة (إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين) ."المعارج" .. فقلت للدكتور ممكن ان اراها . فقال بالفعل . ثم ذهبت الى الغرفة.. وفي طريقي رأيت الممرض "مايكل" وهو يبكي ويقول لي.. لم اتمنى ان اراك بهذا الوضع . وادى واجب العزاء لي . ثم رأيت المترجمة الفلسطينية وهي في الاربعينيات من العمر ولم اتحدث عنها في الرواية وهي المترجمة التي كانت معنا طوال فترة العلاج. وكانت تخرج معنا الى الحديقة في بعض الاحيان.... ايضا رايتها تبكي . مما زادني تأثر. وانا احاول ان اخفي دموعي.. وادت واجب العزاء لي ..
فتحت باب الغرفة. ورأيت الدكتورة الكويتية وهي صغيرة في السن. ماسكتاً القرآن .فقالت هل انته زوجها .؟ فقلت نعم . فقالت (عظم الله اجركم) فقلت الدوام لله. فقلت لها كيف ماتت ؟؟ فقالت في تمام الساعة السادسة صباحا اشتدا الالم عليها .. وقررنا ان نذهب بها الى غرفة العناية المركزة . فرفضت قائلتاً... اتركوني ! سوف اموت الان ...!!!! يـــــــــــــــــــــاه .... بدأت بفك الطلاسم التي كنت امر بها قبل وفاتها .. عندما كانت تضحك اثناء خروجي من الغرفة . وفي اليوم الاخير لم ترفع راسها .. وقولها لا تحضر البنات . ايقنت بان المسلم يشعر بدنو اجله ..
فقالت الدكتورة . كان القرآن في يدها عندما ماتت وهي في اخر صفحة (ختمت القرآن) . ما اجملها من موته والقرآن في يدك .والدكتورة متأثرة من هذا الموقف . فقبلت ام شما على راسها .فقلت لها سامحيني.. وانا مقدر كل الظروف التي مرت بها في سنة 2007 و 2008 لم ترى النور فيهن . فاتصلت بالدكتور "سناء" وهي المتابعة لحالتها في المكتب الصحية (سودانية الجنسية) فردت علي بابتسامة قائلاً ما حال ام شما ؟ فقلت لم اراها بأحسن من هذا الحال. فرحت وقالت الله يشفها الحمد لله !!!.. وسرعان ما انقشع الضباب . فقلت لها اعطتك عمرها . تحولت تلك الابتسامة الى كابوس. واغلقت الهاتف وهي تبكي . فقمت بلم جميع الملابس والحاجات في حقيبتها الحمراء .. وهي في سكينة وسبات لم تقوم منه حتى قيام الساعة .( لم اتمنى هذا الوضع ولم اتمنى ربعه) وحتى متابعين الرواية لم يتمنوا هذا الوضع ... خرجت من الغرفة ووجدت امامي السيد "خالد الاحمدي" والسيد "سعد" من المكتب الصحي وهم لابسين البدلة الشتوية. ثم حضنوني وهم يواسونني بالمسح على ظهري . فقالوا (قدر الله ما شاء فعل). عظم الله اجركم . سوف نقوم الان بتخليص جميع اجراءاتكم . مع حجز الطيران على طائرة اليوم المساء . ويجب الذهاب من قبلكم الى مكتب الحكومة في لندن كي تقومون بانها اجراءات شهادة الوفاة . وسوف يتصل بك السائق الان ويحضر لك التذاكر في تمام الساعة 4 . فقلت ان شاء الله .
نزلت من المستشفى وان اجر الحقيبة الحمراء وفيها ملابسها وبعض مغنياتها الخاصة .. وانا اودع بوابة مستشفى "لندن كلينك" للاحظة الاخيرة . ثم ركبت الباص وهي محطة واحدة فقط حتى وصلت الشقة . فوجدت عائشة الخادمة في وجهي وهي تقول (كيف حال ماماه) . فقلت لقد ماتت . فخرت على الارض باكية وتقول ( ليش باباه) وهي على الارض ماسكتاً رجلي. وتبكي بحرقة . كنت احاول ان امسك نفسي في كل موقف. والمواقف تتهلل علي كل لحظة . فدخلت غرفة الشباب . فقلت "بوعلي" "بوعلي" ففتح عين واحدة لانه كان سهران طوال الليل . فقال ماذا تريد ؟ فقلت له اجلس اريد ان اتحدث معك . فجلس فاتحاً نصف عينة . فقلت اختك ماتت . ففتح عينة كاملتاً وهو مستغرب... ماذا تقول! ماذا تقول !. اختك ماتت . فكان قوياً في تلك اللحظة قائلاً (لاحول ولا قوة الا بالله) . ثم نهض اخي " خميس" مفزوعاً . هل ماتت ! هل ماتت ! فمسكني وهو يبكي وكاد ان يسقطني على الارض . حتى هدأ . فقلت يجب عليكم ان تذهبوا لتخليص اجراءات شهادة الوفاة.. وانا سوف اذهب لإحضار البنات من المدرسة . فقلت "لبوعلي" هل نسافر اليوم ؟ فقال ما الذي يجلسنا هنا . فقلت ان شاء الله تتيسر الامور اليوم .
ذهبت الى اكاديمية الملك فهد وانا حاملاً معي كيس فيه البخور وبعض العطورات العربية وهو عبارة عن هدية اوصتني ام شما ان اعطيها للسيدة "بيان" في الاكاديمية.. وانا في القطار اتصلت بي الممرضة "سيربل" التركية وهي تبكي وكانت في اجازة امومه . وقالت لي بعد ان ادت واجب العزاء .... "قالت لها ام شما اثناء زيارتها الاخيرة بتاريخ 11 اكتوبر وهي خارجة من الباب حضنتني وقالت .سوف لن تريني مرة اخرى.. قالت "سيربل" لم اعرف ماذا تقصد ولكن الان ايقنت بالذي تقصده . ثم استمر القطار وانا جالس ارسل مسجات الى جميع الاهل والاصدقاء بعنوان ( ان لله وان اليه راجعون انتقلت الى رحمة الله ام شما ) . فهلت علي الاتصالات من كل فج.. ولم ارد على أي اتصال الا اخي "جمعة" الذي يصغرني ب 3 سنوات... لا اعلم لماذا هو فقط !!
ماتت ام شما وانتهاء امرها ولكن ماذا اقول للعصافير وهم في سن الزهور . هل اقول لهم انكم ايتام !! او ماذا .... وكيف ابداء معهم بهذا الخبر . كان اكبر هم لي في تلك اللحظة ... فتصلت للسيدة "بيان" فقلت سوف اخذ البنات اليوم . فقالت لماذا ؟ فقلت لقد ماتت امهن . فبكت . ثم اتصلت بالسيد "اندري" ذلك الشاب الوسيم الذي يعمل في مكتب تأجير الشقق . لأني دفت عربون 500 باوند للمكتب لاستئجار الفيلا بتاريخ 1 نوفمبر . فقلت له ماتت زوجتي ويجب علي ان ارجع الى الامارات اليوم . تأثر بموضوعي وقال ممكن ان تتصل لمصطفى صاحب الشقة وتبلغة عن الموضوع كي يرد عليك العربون . وبالفعل اتصلت علية واخبرتة. ثم تأسف مما حصل لي .وقال هذا حقك . سبحان الله على عظمت الاستخارة.. والان عرفت سبب تأخير الاستجابة عندما كنت ابحث عن فيلا في منطقة ايست اكتون !!! .. لو تأخر موت ام شما يومان لكنت دفعت 35 الف درهم بدون استرجاع .
(لا اله الا الله ) وانا اوصي كل مسلم بان يستخير في جميع أموره والله اني رأيت العجب في الاستخارة .
دخلت الاكاديمية في يوم ملبد بالغيوم فرأيت "بيان" في انتظاري والبنات معها ودموعها تتساقط رافه بالبنات . وعندما اعطيتها الهدية وقلت من عند ام شما لم تتمالك نفسها وانهمرت بالبكاء.. والبنات في حيرة من هذا المنظر ... سلمت عليها وشكرتها على كل الذي قامت به معنا . ثم قلت للبنات سوف نذهب الى ابوظبي اليوم . فقالت بنتي الكبيرة (ليش باباه) فلم اعقب . خرجت من الاكاديمية وانا امشي مع البنات بخطى تحمل الكثير من الهم والاخبار السيئة التي لا تبشر بخير بالتجاه محطة ايست اكتون . واضعاً يدي على اكتافهن ...
كنت محتار كيف ابداء !!! (بس المواج ميساعد ولا الاقدار بتساعد)... فقلت (امكم راحت الجنة) .فقالت بنتي الصغيرة آمنة (صدق باباه) مسكينة لا تدري . فبكت بني الكبيرة شما لا نها عرفت بان امها قد فارقت الحياه ثم بكن... وانا اتقطع من داخلي . ليس لي حول ولا قوة ولم اختار هذه الحياه.
كانت الصدمة قوية على تلك القلوب الطاهرة . (لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه ).
لم اختار هذه الحياتي بهذا الشكل . ولم اختار بان تكون حياتي في سنتين بهذا الحال. ولم اختار زوجة لتموت عني تاركتاً خلفها احمال كبيرة .
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء ولا تجزع لحادثه الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء . حاولت ان اهدي البنات في القطار.وكان جو القطار في هدوء. وبنتي الوسطى "ميرة" تتساقط دموعها وهي مبتسمة ! لم اراها بهذا الحال قط.. وعندما سالتها لاحقاً عن هذا الامر فقالت كنت لا اريد ان اضايقك لا نك متعب يا بابا .... الحمد لله تفهمن الوضع بعد ان اخبرتهم بان امكن من سنتين وهي متعبة . والان هي مرتاحة عند ربها .
وصلت الشقة . وذهبت الى الخزنة وفيها جميع الاشياء الثمينة والمبالغ المالية . وعندما حاولت فتح الخزانة لم تفتح !! استغربت من هذا الموقف.. حاول ادخال الرقم السري 7902 لا كثر من مرة ولم تفتح !!! . فشككت في نفسي باني ليس على وعيي !! فذهبت وغسلت وجهي وحاولت مرة اخر ولم تفتح !! بصراحة حتى الان وانا مستغرب من تلك اللحظة لماذا لم توفتح الخزنة وانا في الاسبوع اكثر من 3 مارات افتحها !!!. تذكرت بان للخزنة مفتاح فبحثت عنة حتى وجدته .
( هل الخزنة تأثرت بموت ام شما )!!
وصل "بوعلي" ومعه شهادة الوفاة ووصل السائق ومعه التذاكر في تمام الساعة الرابعة . دفعت تقريبا 2400 باوند للتذاكر واتصلت بصاحب الشقة . فقلت له الموضوع فتأثر فقال سوف ارسل لك شخص الان لمعاينة الشقة . رسل لي شخص عراقي وأعطيته 50 باوند للتنظيف . وقلت له سوف اترك لك بعض الاشياء في الشقة . فتركنا له 5 اكياس كبيرة من الملابس والمطبخ بكاملة ...
ركبنا السيارة مع السائق السوداني.. ونحن في سكون .وانا اشاهد مدينة لندن في ذلك اليوم المظلم الملبد بالغيوم.. واحسست باحساس ولاول مرة اشعر فيه .. بان لندن مدينة اشباح . مدينة تشبه .. مدينة "ستالينغراد" اثناء الحرب العالمية الثانية .. فتذكرت اول يوم اتيت فيه الى لندن. لنها كانت نفس اللحظة ونفس الجو. عشنا 7 شهور في لندن كانها حلم .وجلست اتذكر شيرط الاحداث .تذكرت هذه المدينة القديمة. تذكرت شوارعها وتذكرت مبانيها التي تتزين بالطوب الاحمر .تذكرت عندما كنا في الرجنت بارك نطعم البجع .وعندما كنا نضحك ونحن في ازقت لندن . تذكرت عندما كنا نمشي على ضفاف نهر التايمز . تذكرت عندما قال لنا الدكتور فقط اسبوع وسوف ترجعون الى بلدكم. تذكرت عندما قال الدكتور نجحت الزراعة.
(تذكرت وكل الذكرى مصير الشاعر الولهان... ولا في يد الغريب الا .... حسافة يجر باحزانه)... سرعان ما انتها الحلم. عندما قال لي السائق السوداني كيف حالك ؟ ثم تبادلت معة الحديث وهو متأثر لما جرى لنا . وخبرني عن صديقة... كان عابراً الشارع فانزلقت رجلة على الرصيف من كثرة الامطار في لندن وسقط على راسه من الخلف.. وهو الان في شلل كامل. سبحان الله . ويجب على كل مسلم ان يحمد الله في كل لحظة لان النعمة تزول .
دخلنا مطار هثرو في تمام الساعة 6:00 مساءً . واتجهنا الى كونتر الاستقبال لطيران الاتحاد ..كانت على الكونتر امرأة هندية .لم تعجبني معاملتها.. كانت تتكلم بصوت عالي لان الوزن زائد . فدخلت المكتب ثم خرجت مبتسمة لم اعرف الابتسامة الى الان
ركبنا الطائرة تقريبا الساعة 8 مساءً وام شما معنا في نفس الطائرة . ولكن مش على كرسي الطائرة . ركبت معنا الطائرة في نعشها مع البضائع . جاءت الى لندن على درجة البزنز ورجعة على درجة الشحن (ليس لي تعليق ) ناماً البنات قليلاً ولم ننم انا ولا "خميس" ولا "بوعلي" حتى وصلنا الى أبوظبي في حدود الساعة 7 صباحاً . وكان في استقبالي حشد من الاسرة والاصدقاء ثم تبادلنا التعازي داخل المطار ...ذهبن البنات مع اخي الى البيت. واستغبلتهن والدتي بضمة وهي تبكي حتى بكن معها .
انتقلنا الى مبنى الشحن في المطار لاستلام النعش . تم الانتهاء من جميع اجراءات الاستلام. مع توقيع بعض الاوراق. واعطائي جواز سفرها . ماذا افعل به !. ثم انتقالنا الى مستشفى المفرق خلف سيارة الاسعاف حاملاً روح طاهرة عانت من مرض ستنان
قال رسول الله صلى الله علية وسلم (ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة ) حتى وصلنا الى المستشفى. وقمنا بتخليص اجراءات شهادة الوفاة داخل المستشفى . ذهب اخي "ثاني" الى البيت ليحضر لي الملابس ( الدشداشة) فتحررت من ذلك الجنز الذي كان ملازمني طيلة سبعة اشهر . ثم طلبوني في غرفة تغسيل الموتى . وعندما دخلت وجدت حشود من النساء في الانتظار. والبكاء يملى المكان . ادوا لي واجب العزاء.. ثم دخلت غرفة الغسيل ولم يخرجوها من التابوت حتى يسالوني هل هيه ام شما ام لا ؟ نظرت لها نظرة عطف ورحمة قائلاً نعم هيه.. ثم اخرجوها. وقمت بتغسيلها لانها اوصتني بغسيلها اذا ماتت. واوصتني ايضا ..ان احرق جميع ملابسها الداخلية . كانت عفيفة حتى بعد موتها . واذكر قالت لي قبل موتها ب 15 يوم اثناء الجرعة الكبيرة ( لم اخنك في حياتي) . انتهينا من تغسيلها . وانتظرنا صلاة الجمعة في مستشفى المفرق . صلى عليها حشد من الناس بعد صلاة الجمعة . ثم انتقلنا الى مقبرة بني ياس . ركبت مع صديقي "خالد" في سيارتة الاودي حتى المقبرة . ثم انزلنها في القبر انا و"بوعلي" الى مثواها الاخير .كشفت عن وجهها . وكان النظرة و الوداع الاخيره الى يوم القيامة .
فـرشي التراب يضمني وهو غطائي حـولي الـرمال تلفني بل من ورائـي واللـحـد يحكي ظلـمة فيـها ابتلائـي والـنور خــط كـتابـه أنـسـي لـقائــي والأهـــل أيـــن حنانهم بـاعوا وفائـي والـصحب أين جموعهم تركوا اخائـي
والــمال أيـــن هناؤه صـــار ورائــــــي والاســــم أيـــن بـــريــقه بـينال ثناءِ هـــذي نهاية حالي فـرشي التــرابِ والــــــــحب ودّع شـوقه وبكىرثائي والـــــــــدمع جف مسيره بعد البـكاءو الـكون ضاق بوسعه ضاقت فضـائي فــاللحد صار بجثتي أرضي سمائي هـــــذي نهاية حالـي فرشي الترابِو الـخوف يـملأ غربتي والحزن دائــي أرجـــو الـثبات وإنـــه قـسم ادوائــي والـــرب أدعو مخلـصا أنـــــت رجائي أبــــــغي إلهي جـنة فيها هنائـــــي.
قدموا لي الحضور واجب العزاء في المقبرة.. ثم انطلقت الى المنزل فرايت والدتي في انتظاري. بعد ان رجعت من مكان التغسيل لاني لم اراها هناك. فضمتي ضمة . والى هنا.................. لم اتمالك نفسي حتى بكيت ........ حاولت ان اتحمل جميع الصدمات وجميع الحشود اثناء العزاء ولكن خانتني العبرة فستسلمت في تلك اللحظة .
ثم دخلت المجلس لاستقبال جموع المعزين .
وارسلت احداً من اخواني لدفع كفارة عن صيام شهرين.. لانها لم تصم سنتين اثناء المرض. وعرفت ماخراً اثناء اداء فريضة العمرة . ليس عليها كفارة اذا ماتت بنفس المرض... واوصتني بان احج عنها.... فارسلت شخص عنها للحج لاحقاً . والمبلغ التي اعطتني اياه قبل سفرها الى لندن . قالت اذا مت ابني فيه مسجد لوالدي . لانها تملك مسجد بنته في 2006 اثناء حياتها . وبالفعل بنيت مسجد مع بأر وسميتة (مسجد التوصية)
لم انم مذ 38 ساعة في اول يوم للعزاء حتى المساء .
انتهاء العزاء بعد ثلاثة ايام . واشكر كل من قدم لي واجب العزاء ولكل من واساني في تلك الفترة.
اخترت كتابه هذه الروايه في هذا اليوم وهذه الساعة 6 بتوقيت جريتش ( لندن) لانها...
(ذكرى الساعة والسنة الرابعة على رحيلها ) .
واثناء كتابتي للرواية قراءة ردوداً من الاعضاء (الله يشفيها) وهي غادرة الحياه مذ 4 سنوات... لم اعلق على هذا الامر حتى نصل الى هذه الحلقة. ويعرف الجميع الحقيقة .
لم اقصد هذا المنعطف ولم اقصد ان اضايقكم وان اثير مشاعركم في هذه الحلقة ولم اتعمد بانزال دمعة احد . ولكن هذه هي الحقيقة. وانا عشتها والان اعيشها مرة اخرى اثناء كتبتي للروايه .
لا اريد ان تقولوا عظم الله اجرك او البقية في حياتك . لأني انتهيت من هذا الامر مذ 4 سنوات .
اريد دعوة صادقة لها ...........