طيووبه
๑ . . عضو ماسي . . ๑
- التسجيل
- 25 أبريل 2006
- رقم العضوية
- 4747
- المشاركات
- 1,526
- مستوى التفاعل
- 77
- الجنس
- الإقامة
- قلب راك
يعتبر قصر الزباء في منطقة رأس الخيمة واحداً من الأماكن الأثرية والتاريخية المنسية في بلادنا، يقع على سفح جبل يطل على طبيعة خلابة، وتؤكد أجواء المكان الاثير بأنه كان قد لعب دورا مهما في التاريخ وأنه كان مركزا استراتيجيا يحسب له ألف حساب، وأنه كان مقرا لممالك انقرضت ولشخصيات تاريخية مهمة مثل الملكة زنوبيا التي حمل المكان أسمها كما تقول الروايات والأساطير وبلقيس ملكة سبأ وغيرها من الحقب الفاصلة.
«زباء» في مختار الصحيح الزبية، الرابية لا يعلوها الماء وفي المثل بلغ السيل الزبى والزبية أيضا حفرة تحفر للأسد وسميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال. و«الزباء» امرأة مازال يختلف عليها المعرفون ويتشكلون حول أسطورتها. فهي زنوبيا ملكة تدمر المرأة التي كانت قوية وذات مكانة وبسطت نفوذها على المنطقة خلف الأزمنة الغابرة، تتكلم اليونانية والارامية والعربية بطلاقة ودرج الأهالي هنا على تسميتها بالزباء بعد تحريف اسم زنوبيا. وهي أيضا امرأة أخرى يقال انها استطاعت ان تبلغ السيطرة والحكم واستعبدت الرجال، ومن قال إنها امرأة ثالثة، كانت تصعد الجبل وكأنها رجل ومن قدرتها على الصعود سميت بهذا الاسم، فصارت الزبا اليوم مع كل هذا الركام من الأقاويل امرأة هلامية، تلك التي لها علاقة برأس جبل في منطقة شمل برأس الخيمة، امرأة ترك لنا الباحثون.
ومن ذكروها في سجلاتهم التاريخية كثيرا من علامات الاستفهام حولها وحول قصرها الذي أقامته بالقرب من مدخل الخليج، أي قبالة مسير القوافل البحرية والبرية... ما يقال انه قصر زنوبيا تدمر ام قصر فارس من فرسان جيوشها الذين أطلقتهم في المنطقة، ام انه حصن منيع بنته بلقيس ملكة سبأ، ام سكنت فيه امرأة كان من شدة قوتها تشبه الرجال يصبح ضربا في عمق الأسطورة حينما تنظر إلى أطلال البناء المتناثر وبقايا أجزائه، صحيح انه مبعثر، وان وضعه الحالي يوحي بالشفقة. والإهمال قد ترك الذكرى كلقيط فتاه في السنين وتعب، الا حجم الخيال الذي سكن الأهالي هنا وأبقاه كظلال متناثرة من شبح فوق القمة كبرت الحكاية يجعل من تلك البساطة حضورا عظيما، لن تشعر بذلك أمام بقايا المبنى الصخري لبساطة ما تبقى ولكنك فورا سيصدمك السؤال، لماذا من فوق هذه القمة بالذات؟
صارت امرأة قمة الجبل بطلة لسرد الحكايات والقصص، اذ يختلف أطفال الحي حولها بالقدر نفسه الذي يختلف فيه كبار البحاثة..لا احد يستطيع ان يجزم ان هذا القصر، أو بقاياه كان لزنوبيا ملكة تدمر وأبنتها حينما جاءت إلى هذه المنطقة طلبا للمساعدة في مد جيوشها بالقوة من الرجال.ولا لبلقيس ملكة سبأ التي تشير الأبحاث إلى مرورها بالمنطقة وسكنها فيه، ومع ذلك فهو قصر امرأة، مهما كانت مكانها وكان مقامها، هي امرأة استطاعت أن تخلد هذه السيرة فوق تلك القمة، واستطاعت أن تؤثث لها في الذاكرة الجمعية مكانا بارزا، وان تسلب الزائر الغريب هذا المكان الذي اختارته.
[BIMG]http://up.dubaieyes.net/uploads/c7824b1274.jpg[/BIMG]
تغيب خلف الحكايات قدرة الحدس، بعيدا عن تلك التي ذكرها عدد من المؤرخين العرب عن سطوة تلك الملكة وما شاع حولها من أساطير عند الأهالي، واختلفت التفسيرات عند بعض الباحثين الأجانب ممن اهتموا بها
وبقوتها التي جعلتها تتسيد في ذاك الزمان..
هنا فوق قمة جبل في منطقة «شمل» في الشمال الشرقي لمدينة رأس الخيمة وقبالة السجادة التي تبسطها أمواج الخليج، من فوق هذا الارتفاع الشاهق تتناثر بقايا ما يسمى قصر«الزباء»..تلك الزباء التي يسميها الطبري نائلة بنت عمر بن الطرب بن حسان بن آذينه بن السميعدع العمليقي وهي التي يسميها المسعودي الزباء بنت عمرو.
[BIMG]http://www.alshemili.net/up/uploads/images/uae2all-8cb1e1df85.jpg[/BIMG]
كما حقق في ذلك الباحث الإماراتي عبدالله الطابور في كتابه «جلفار عبر التاريخ»..وكتب حولها وحول بقايا قصرها التي تعتلي تلك القمة كثيرا من التفاصيل وطالب بضرورة الاهتمام بهذا الأثر الخالد الذي لم يبق منه الإهمال سوى حجارة بسيطة، وهذه حقيقة تفرض نفسها على الزائر، فأهمية هذا المكان تكمن اليوم ليس بقاء حقيقته مشوشة عند البحاثة والناس.ولكن لأنه فعلا موقع له مميزات من حيث اختيار مكانه وأسرار بنائه التي لم تكشف حتى الآن، فهذا القصر، أو الحصن الذي يشكل مرقبا ممتازا لحركة السفن فوق مياه الخليج والذي يسيطر سيطرة تامة على عشرات الكيلومترات، يكشفها كشفا دقيقا، يستحق أن يكون قبلة للباحثين عن الأسئلة والسياح والمهتمين بتاريخ البلد، وحصانته العصية على الاختراق هي الأخرى تستحق أن تشكل درسا خصوصا بناء التحصينات العسكرية في داخله.
[BIMG]http://www.alrams.net/up2/uploads/images/alrams.net-f4d4caa5ad.jpg[/BIMG]
أن يقود الزائر سيارته ويعتمد على إرشادات الطريق، فان الأمر سيكون شاقا ذلك أن اللافتة الرسمية الوحيدة التي كتب عليها قصر الزباء مصحوب بسهم يقول استمر في طريقك لن يكمل الرحلة، وستنقطع به السبل حينما يغرق بين البيوت والأشجار.
هي لافتة يتيمة في الشارع العام وبعيدا عن المكان، لن يصل القاصد للمكان ما لم يعتمد على شخص من أهل المنطقة يأخذه إلى قاعدة الجبل المختبئة خلف المزارع والبيوت ومرابط الأبقار والماشية، هناك خلف تجمع البيوت يغرق الزائر في واحة من النخيل التي توصله إلى ذلك السلم الأسمنتي الممتد كأفعى صاعدة إلى أعلى.
[BIMG]http://www.alrams.net/up2/uploads/images/alrams.net-4de6a6d844.jpg[/BIMG]
وعبر تعرجات يمر بها على المناحل الطبيعية للعسل في ثقوب الجبل، وهي مناحل يعتمد عليها أهالي المنطقة إلى اليوم كمصدر للعسل الطبيعي، منه ما يباع ومنه ما يستخدم استخداما شخصيا، مما يدفع إلى الاعتقاد بأن الذين عاشوا فوق هذه القمة بقيادة «امرأتهم الخرافية» أو حتى «زنوبيا» الملكة العظيمة بأن هذه المناحل أو الجحور الجبلية كانت تقوم بنفس الغرض في تلك الحضارة الضاربة في العمق وكأنها أوابد ترافق هذا القصر المتهالك والمقاوم حتى اللحظة باعتلاء السلم الحجري سيكون الزائر قد وصل إلى خندق اسطواني ارتفاعه أكثر من ثلاثة أمتار في أرضية الجبل.هذا هو جزء من القصر أو ما يقال عنه حصن عسكري منيع، حفرة مغطاة بالصخور والطين على هيئة قلعة مقلوبة، أنه فوق العلو الشاهق وما تبقى من جدران القصر ارتفاعها لا يتعدى المتر الواحد من فوق سطح ارض الجبل.
[BIMG]http://up.dubaieyes.net/uploads/694dde0792.jpg[/BIMG]
.لن يجد الزائر شيئا مغريا على الإطلاق للوهلة الأولى وسيتمنى لو انه كان قد أراح رجليه وهو مدفوع بالفضول والرغبة في اكتشاف الإسرار، قد يصاب بالإحباط ولكن سرعان ما سيكتشف ما كان يبحث عنه لغز الزبا، ولغز حصنها وقصرها المنيع، سر تلك المرأة التي يبدو أن الخوف جعلها تهرب إلى الأعالي وسيدرك انه وجد كنزه المفقود..
سيتعين عليه التدقيق ومسح القمة ببصيرة وبصر عندها ستشتبك قمم الجبال المجاورة وسيدرك انه وسط مملكة كاملة تطل من نقطة حراستها الرئيسية، ارض مبسوطة، مزارع، بحر وميناء وقلاع وحصون وأسوار وجنود مدججون بالسلاح، وفلاحون وملاحون، عبيد ونساء وأطفال، سترتسم ملامح من زمن الخيال على الزائر المندهش بما رأى ولامس.
[BIMG]http://www.arab-cyc.com/imgs/alzbba6.jpg[/BIMG]
حيث وطأت قدماه تاريخ قوم عاشوا هنا وكانوا فريدين في نمط عيشهم.. قصر ضخم ممتد إلى بقية الجبال لا تراه العين المجردة، ولكن ما تبقى منه من حصى وزوايا جدران واتجاهات وبعض الثقوب الغريبة في بطن الجبل سيدفع الزائر إلى رسم تلك الصورة الضخمة، هناك بئر ماء.
وهنا حوض وذاك مكان لجدار وهذا سور، ثم يبدأ في سرد سيرة المكان الذي لا يرى منه ألا بقايا متناثرة على الأرض وصخوره الأصلية التي اختلطت بصخور السفح.
والمدهش أكثر أن يقال له إن هذه الحفرة في أعلى قمة الجبل تصل إلى البحر عبر نفق ينطلق من الأعلى إلى الأسفل..هندسة عسكرية، وقصة ينسجها الواقف فوق القمة قبالة البحر الممتد والمدى الشاسع من البقاع المكشوفة،..الجهات المسؤولة هناك لا توفر شرحا ولو قليلا لغياب يافطة تعرف بالمكان، فهو مكان مجهول يأتي إليه المهتمون عن طريق السؤال، والناس ينقلون المزيد من الأساطير ليس حول حقيقة المكان كأثر تاريخي ولكن كمكان أسطوري ومصاب بالغموض.
وما ان ينزل ببصره إلى قاع الأرض يعانق فورا مدى فسيحا يمتد على ساحل بحر الخليج حينما كانت سفن الغزاة تلوح من بعيد، وعندما يحين اقتراب الغروب وتصبح الشمس في حلتها الذهبية، يدرك الزائر انه أصبح سيد الجبال والسهول والوديان والبحر، مكان أيضا لا يخلوا من شاعرية وتلك المرأة لا شك أنها على رغم قوتها وجبروتها تمتلك قلبا عامرا بالحب والعشق.
حيث لا يمكن مقاومة ذلك المنظر الخلاب لامتداد صفحة الماء التي تكشف تفاصيلها قمة الجبل، ولا احد يستطيع مقاومة الارتخاء أمام قرص الشمس وهو ينام في البحر كل يوم، حيث سحر الغروب من فوق قمة جبل لا يعادله سحر.
زنوبيا
لم تكشف محاولات التنقيب الأثرية المزيد من الحقائق لا عن الأقاويل التي ألصقت بصحابته، ولا عن الدافع لربط تلك القمة بامرأة وليس برجل، ولهذا فان الناس اليوم، الجيل الجديد من الشباب ربما لا يجدون كثيرا أمامهم ليروا بأنفسهم معالم هذا المكان الذي يفرض نفسه لان يكون رمزا حتى ولو تداعت بقية ملامح القصر أو الحصن الذي يعتليه. وفي تاريخ جلفار الحضارة التي تكونت في تلك المنطقة وامتداد الساحل تبدو كثيرا من المواقع ذات أهمية بالغة،.
ويأتي هذا القصر من ضمنها متداخلا مع حزمة كبيرة من القصص والأحداث التاريخية. إن المنطقة بأسرها مكتنزة بالإسرار وليس هناك من كشاف ينير ما فيها وحولها للراغبين في المعرفة، تماما مثلما يعاني هذا الأثر الرمز الضارب بأساطيره في التاريخ وتلك القمة المذهلة لذلك الجبل الذي يقبع منسيا اليوم خلف الحواري والبيوت.
زنوبيا
حينما يبدأ الزائر عائدا بالنزول من ذلك السلم الحجري الطويل ذي الانعطافات المتعددة، تاركا بقايا جدران يدرك انها مسكونة بالأسرار ويشعر بوخز في الذاكرة يأتي من خلف التلافيف المعقدة، فأثر المكان مهيب، والصخور التي يشاهدها تشعره بأنها هي التي تترقبه وتسبر اتجاهاته، وهي الشاهد الوحيد على من صعدوا ومن نزلوا من فوق تلك القمة.
وهي التي تقاوم كل أشكال الهلاك المبعثرة في الاتجاهات..ينعطف السلم نزولا باتجاه السفح، فالأرض هناك، أمام الجبل خضراء تربتها خصبة وطينها مكتنز بالمواد الغنية للنبات، هنا كانوا يزرعون ويحرثون، جنود زنوبيا، أو أهالي سبأ الذين جاءت بهم بلقيس، أم أقوام مختلفة استوطنوا المكان ثم غادروه، أم هي حكاية أسطورية غذتها الخيالات وتداخلت فيها الحقائق.
مرعي الحليان
م/ن
