راعي شما
๑ . . مراقب برزات قبيلة الشحوح. . ๑
عرفت الدولة حساباً فلكياً قديماً يعتمد على أيام السنة بشكل عشري، ويبدأ العام فيه بظهور نجم سهيل في منتصف شهر أغسطس وينتهي بدر “عشيروه” ومقدار عدد الأيام في السنة 365 يوماً تحسب بشكل تصاعدي العشر- العشرين، الثلاثين، وهكذا إلى المائة ثم يتكرر في المرة الثانية على المنوال نفسه حتى بلوغ المائة الثانية التي يتخللها در مختلف عدد أيامه خمسة أيام ويطلق عليه “خمس المساريق” وبعدها “در الدوايم”، عندها يتغير الحساب في النزول في المائة الثالثة ليقرأ “المائة التسعين، الثمانين، ويستمر فيها العدد إلى “در عشيروه” التي تعلن نهاية العام، وبمقتضى تنوع بيئات الدولة وتشمل الساحل والصحراء والجبل، انبثق عن ذلك روزنامة لكل على حدة لممارسة الدر لنظام يومي للسعي إلى معرفة حالة الطقس وحركة الرياح والأمطار وتقلبات البحر ومختلف التحولات التي تطرأ على المحاصيل الزراعية والثروة السمكية، وأيضاً توزيع حصص ماء الأفلاج لري المحاصيل الزراعية.
ولا غرابة في الأمواج العاتية التي ضربت عدداً من سواحل وشواطئ الدولة يوم الحادي عشر من يناير/ كانون الثاني الماضي في حياة الآباء والأجداد، وكانت لا تمثل ظاهرة معتادة لديهم، بل تنتاب بين فترة وأخرى للشواطئ والسواحل، وتتفاوت خلالها ضراوة الأمواج التي يترقبون موعدها بالحيطة والحذر مستقين أفكارهم من ثقافتهم المحلية، وفي هذا الصدد يهمني ذكر بعض الحكايات والأمثلة المستمدة من تلك الثقافة “فالعشر والعشرون والثلاثون” تجود بالاسماك المهاجرة من نوع التونة والسردين التي يصطادها أهل السواحل البحرية بكميات هائلة تعود عليهم بالنفع المادي والمعنوي، وفي در الأربعين الذي يطلق عليه “در أربعين المريعي” ويتسم بالبرد القارس غير المعتاد و”در الخمسين” ينشغل فيه المزارعون بزراعة البطاطا الحلوة والمعروفة محلياً باسم “الفندال” التي تعد من الوجبات المفضلة التي تجود بها المائدة المحلية حيث تحضر مسلوقة أو مخمودة تحت الجمر، ومن الأمثلة والحكايات التي يرددها الشحوح في هذا الخصوص قول در العشر حشر “در الستين” المعروفة بغزارة الأمطار “الستين السكين خصبة تبين ومحلة تبين وتخلي صدور الخشب للطين” و”در الثمانين” تكثر من اضطراب البحر وعلو الأمواج وقد دارت حولها القصص والحكايات المؤلمة، تمثلت في غرق الكثير من سفن السفر في عرض البحر، وأيضاً ائتلاف المحاصيل الزراعية التي عانى المزارعون من ويلاتها، فقد اغرقت رياحها المحمل الذي كان يملكه جدي وابناء عمومته رحمة الله عليهم وكان من نوع “البتيل” الذي اشتهر في تلك الآونة ويسمى الوشار ويستخدم في صيد اللؤلؤ في الرحلات التجارية، وقعت الكارثة عندما كان راسياً في مرساته أمام ساحل إمارة الفجيرة ومحملاً في جوفه بأكياس التمور فلم يستطع الصمود أمام قوة الريح وغطس إلى القاع واستمر يتقلب فيه عدة مرات ثم طفا بعدما تناثرت حمولته في مشهد بشع تقشعر له الابدان حيث كانت قاعدته أعلى سطح الماء والصاري في اتجاه القاع، وجميع أفراد الطاقم المكون من 6 أفراد داخله لم يكتب لهم النجاة، بعدما فشلت كل محاولاتهم للاقتراب من الشاطئ بسبب الريح التي كانت في اتجاههم، ولم يعثر على جثثهم. كان ذلك في ثلاثينات القرن الماضي، وقد عبر سكان المنطقة المنكوبة بالريح التي تبعث أصواتاً في الجو ومن اطلقوا عليه ريح “صرصر” وقد شمل الدمار هدم المنازل واتلاف المزارع والاشجار التي هوت وتناثرت على مساحات واسعة، ولايزال الأحفاد من سكان منطقة ضدنة التي وقعت فيها الكارثة يروون هذه الحكاية المؤلمة التي سمعوها من آبائهم ويسردونها بنبرات حزينة طبقاً للصورة الصحيحة التي تناقلوها، وأما بالنسبة ل”در المائة” فيقال “حالفة تبل جناح الدجاجة”.
منقول من جريدة الخليج (( منبر القراء))
للكاتب المعروف عبدالله العقبي الشحـي
تاريخ النشر 28 - 2 - 2004
ولا غرابة في الأمواج العاتية التي ضربت عدداً من سواحل وشواطئ الدولة يوم الحادي عشر من يناير/ كانون الثاني الماضي في حياة الآباء والأجداد، وكانت لا تمثل ظاهرة معتادة لديهم، بل تنتاب بين فترة وأخرى للشواطئ والسواحل، وتتفاوت خلالها ضراوة الأمواج التي يترقبون موعدها بالحيطة والحذر مستقين أفكارهم من ثقافتهم المحلية، وفي هذا الصدد يهمني ذكر بعض الحكايات والأمثلة المستمدة من تلك الثقافة “فالعشر والعشرون والثلاثون” تجود بالاسماك المهاجرة من نوع التونة والسردين التي يصطادها أهل السواحل البحرية بكميات هائلة تعود عليهم بالنفع المادي والمعنوي، وفي در الأربعين الذي يطلق عليه “در أربعين المريعي” ويتسم بالبرد القارس غير المعتاد و”در الخمسين” ينشغل فيه المزارعون بزراعة البطاطا الحلوة والمعروفة محلياً باسم “الفندال” التي تعد من الوجبات المفضلة التي تجود بها المائدة المحلية حيث تحضر مسلوقة أو مخمودة تحت الجمر، ومن الأمثلة والحكايات التي يرددها الشحوح في هذا الخصوص قول در العشر حشر “در الستين” المعروفة بغزارة الأمطار “الستين السكين خصبة تبين ومحلة تبين وتخلي صدور الخشب للطين” و”در الثمانين” تكثر من اضطراب البحر وعلو الأمواج وقد دارت حولها القصص والحكايات المؤلمة، تمثلت في غرق الكثير من سفن السفر في عرض البحر، وأيضاً ائتلاف المحاصيل الزراعية التي عانى المزارعون من ويلاتها، فقد اغرقت رياحها المحمل الذي كان يملكه جدي وابناء عمومته رحمة الله عليهم وكان من نوع “البتيل” الذي اشتهر في تلك الآونة ويسمى الوشار ويستخدم في صيد اللؤلؤ في الرحلات التجارية، وقعت الكارثة عندما كان راسياً في مرساته أمام ساحل إمارة الفجيرة ومحملاً في جوفه بأكياس التمور فلم يستطع الصمود أمام قوة الريح وغطس إلى القاع واستمر يتقلب فيه عدة مرات ثم طفا بعدما تناثرت حمولته في مشهد بشع تقشعر له الابدان حيث كانت قاعدته أعلى سطح الماء والصاري في اتجاه القاع، وجميع أفراد الطاقم المكون من 6 أفراد داخله لم يكتب لهم النجاة، بعدما فشلت كل محاولاتهم للاقتراب من الشاطئ بسبب الريح التي كانت في اتجاههم، ولم يعثر على جثثهم. كان ذلك في ثلاثينات القرن الماضي، وقد عبر سكان المنطقة المنكوبة بالريح التي تبعث أصواتاً في الجو ومن اطلقوا عليه ريح “صرصر” وقد شمل الدمار هدم المنازل واتلاف المزارع والاشجار التي هوت وتناثرت على مساحات واسعة، ولايزال الأحفاد من سكان منطقة ضدنة التي وقعت فيها الكارثة يروون هذه الحكاية المؤلمة التي سمعوها من آبائهم ويسردونها بنبرات حزينة طبقاً للصورة الصحيحة التي تناقلوها، وأما بالنسبة ل”در المائة” فيقال “حالفة تبل جناح الدجاجة”.
منقول من جريدة الخليج (( منبر القراء))
للكاتب المعروف عبدالله العقبي الشحـي
تاريخ النشر 28 - 2 - 2004