- التسجيل
- 9 ديسمبر 2010
- رقم العضوية
- 12988
- المشاركات
- 3,692
- مستوى التفاعل
- 571
- الجنس
- الإقامة
- البحرين
توطئة :
كانت صرخة (رونالد ريغان) الرئيس الاسبق عام 1981م في المؤتمر الصحفي الذي جرى في أكتوبر داخل البيت الابيض والتي قال فيها: (ان الولايات المتحدة لن تسمح بأن تخرج المملكة العربية السعودية من المعسكر الغربي.. ان على واشنطن منذ اليوم تحديد النظام الذي يجب ان يكون في هذا البلد وأية حكومة يجب أن تحكمه)، مفاجأة نوعاً ما للذين يسبّحون بحمد الولايات المتحدة، ولكن المراقبين السياسيين والمطلعين على حقيقة السياسة الامريكية يعرفون ان هذه الصرخة ما هي إلاّ تذكير بأن الولايات المتحدة لم تغير ولن تغير سياستها تجاه الشعوب، كما انهم يعرفون أن الولايات المتحدة عندما تتعرض (مصالحها) سواء المعلنة أو المخفية لخطر ما فأنها تخلع لباس ما تسميه بالديمقراطية وتضعه على نصب الحرية لتخفيه عن الأعين. كما ان الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة على الشعب الافغاني تحت غطاء محاربة الارهاب جعلت المسبّحين بحمدها في ارتباك شديد، فهي لم تقدم دليلا واحداً على قيام الاسلاميين بتفجرات 11 سبتمبر، ثم حتى لو افترضنا ان الاسلاميين هم من خطط لهذه التفجيرات، هل سألت أمريكا نفسها عن سرِّ انقلاب اصدقاء الامس لدحر السوفيت من افغانستان إلى عدو اليوم، فالولايات المتحدة قد أضافت في عملها هذا، إلى سجل تخليها عن المتعاونين معها عندما تقتضي مصالحها ذلك، رقماً جديداً يؤرق هؤلاء المسبّحين من العملاء في المنطقة.
ثم هل أن الولايات المتحدة في حملتها على افغانستان هذه تريد فعلاً رأس الإسلاميين؟ فالواقع يظهر لنا أن الطائرات الامريكية تقوم بذبح الاطفال والنساء والابرياء من الرجال، في الوقت الذي لم تكن هناك مقاومة تذكر قد قامت بها جماعة (طالبان) ضد قوات التحالف المدعومة من الولايات المتحدة. لا نريد هنا أن نناقش الحملة الامريكية على افغانستان، ولكن نريد أن نشير إلى أن هذه العملية هي امتداد للسياسة الاجرامية الامريكية والتي سنحاول لاحقاً أن نقدم لها كشفاً تاريخياً. وسنلاحظ من خلال هذا الكشف انه لم يسلم شعب من شعوب الارض من هذه السياسة.
السياسة الأمريكية وليدة (السلطة السادسة):
يقول (فرانك براوننغ) في كتابه (الجريمة على الطريقة الأمريكية): منذ سنة 1960م اخذوا في الولايات المتحدة الامريكية يتحدثون كثيراً عن (سلطة خامسة) هي أحياناً قوية لدرجة ان السلطات الاربع الاخرى تنحني أمامها.. كان البعض يقصد بها فيها الجيش، والبعض الآخر المخابرات. ولكننا نعتقد بأن ما وراء كافة هذه القوى الاجتماعية، توجد قوة اخرى (سلطة سادسة) قد ظهرت في الولايات المتحدة. قوة قادرة على التأثير في الحكومة، في القانون، في الاقتصاد، في الشرطة، في الاسعار، في الاذواق... ان هذه القوة تغرز جذورها حتى منبت التاريخ الامريكي، ان تأثيرها عميق وسيطرتها واسعة، وقدرتها متنامية باستمرار.
فأمريكا لا تستطيع اليوم أن تعمل بدونها. ان هذه (السلطة السادسة) هي التي يمارسها عالم محترفي اجرام يعملون في خدمة الصناعيين والسياسيين من غير الشرفاء... أن الافراد الذين ينتهكون القانون يعرفون من الآن فصاعداً أن باستطاعتهم الاعتماد على حماية (المنظمة) وعلى ضمان اموالها وعلى تعريف كافة مستويات المجتمع للشبهات، هذا التعريف الذي تثبت بواسطته سلطتها. ان (السلطة السادسة) تستعلي على تحالفات الطبقات وعلى الصداقات السياسية التقليدية... ان (السلطة السادسة) تلك الجريمة الممأسسة ليست اذن افساد القوى الاجتماعية الاخرى وحسب. انها تؤلف سلطة مستقلة تقاوم السلطات الاخرى في الوقت ذاته الذي تنفذ به إليها مندسة في مستويات الحياة العصرية كافة. ولكل هذه الاسباب لا يمكن لتاريخ الجريمة في الولايات المتحدة إلاّ ان يكون تاريخ الولايات المتحدة الذي تنتشر فيه مغامرات الخارج على القانون، وقاطع الطريق والمتمرد والمبتز.
إذاً لم تكن الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة في حق شعوب الارض والتي نراها اليوم قد ولدت فجأة، وانما هي حالة منظمة دأب صنّاع القرار في الولايات المتحدة على تثبيتها في المجتمع الامريكي وصولاً إلى تحقيق الرعب في نفوس شعوب العالم لتحقيق السيطرة الكاملة عليها. وقد وظّف هؤلاء الساسة كل النظريات التي اطلقها الموتورون في العالم، بعد أن أسبغوا عليها مسحة امريكية ووضعوها في قوالب مقننة انتجت هذا السيل من الجرائم، فهذا احدهم يقول: من الجلي ان الله دعى المستعمرين إلى الحرب حيث يركن الهنود إلى عددهم واسلحتهم، يتربصون الفرص لارتكاب الشر، مثلما فعلت قبائل الاماليين والفلسطينيين الذين تحالفوا مع آخرين ضد اسرائيل.
هكذا اصبح صاحب الارض والذي طرد من ارضه يتربص الفرص لارتكاب الشر، لماذا؟! لان الصهيونية قررت أن يكون هناك كيان يجمع فيه اليهود بعد ان تقوم عصابات الهاغاناه وغيرها بقتل كل شيء يحمل طابعاً فلسطينيا سواء كان بشراً أو حيواناً أو نباتاً، مندفعين بوحشية لم تشابهها إلاّ وحشية اولئك الذين دعموهم بكل شيء لتمكينهم من ارتكاب جريمتهم الكبرى، ولان هذا العمل يلائم اهداف (السلطة السادسة) في الولايات المتحدة، اولئك الذين نزلوا امريكا بلباس البوريتانية الانكليزية وهم يحملون معهم الاعتقاد الاشد فتكاً في تاريخ الانسانية وهو الاعتقاد بفكرة الشعب المختار الذين اعطى الشرعية لعمليات استئصال السكان الاصليين واغتصاب اراضيهم وكأنها أمر الهي!!. يصف توكفيل الكاتب الفرنسي احدى هذه الحفلات التي شاهدها قائلاً: في قلب الصحراء، وفي اواسط الشتاء، حيث كان البرد قارساً جداً، قام ثلاثة آلاف أو اربعة آلاف بمطاردة الاعراق البدوية من الوطنيين الذين كانوا يفرون امامهم، حاملين مرضاهم وجرحاهم، واطفالاً ولدوا حديثاً، وشيوخاً على حافة الموت، ثم يقول: ان المشهد كان مثيراً ولم يمّح من ذاكرتي ابداً.
وفي الصفحة الثانية كان الرجال العظام يبنون حضارة امريكا من خلال منظمة (كوكلكس كلان) التي أقسمت على اهانة الرجل الاسود وضربه وشنقه بلا محاكمة، وجعله يفهم أنه جيء به إلى امريكا لغرض العبودية وليس لغرض آخر.
هكذا إذاً تكونت الحضارة الامريكية، والحرية الامريكية، والديمقراطية الامريكية، وانجبت لنا اجيالاً تقتل ببرودة، وعندما يقوم خريجوا معاهد (السلطة السادسة) في الولايات المتحدة بعملية القتل يكافئون على هذا العمل، لأنه عمل حضاري، فلا عجب إذاً إذا رأينا أن ساسة هذه السلطة يكافئون الضابط البحري الذي أمر باطلاق صاروخ على الطائرة الايرانية المدنية ليقتل 298 مدنيا بريئاً، مثلما كوفيء (كولبي) بقتله المدنيين في فيتنام باعصاب باردة. في احدى جلسات الاستماع التي عقدتها احدى لجان الكونجرس الامريكي في عام 1971م حيث سأله المشرعون الامريكيون المحبون للمعرفة عن درجة ارتباط الولايات المتحدة بمشروع (فينكس)، قال كولبي الذي استدعوه للادلاء باقواله: انه يشارك في المشروع 637 من العسكريين الامريكيين بالاضافة إلى (المدنيين) أي موظفي وكالة المخابرات المركزية:
سؤال: هل يشارك الامريكيون في عمليات الاعتقال؟
كولبي: انهم لا يقومون بالاعتقال يا سيادة الرئيس ولكنهم يشاركون فيه!!
سؤال: هل شاركوا في محاولات الاعتقال التي انتهت بالقتل؟
كولبي: بالطبع لا، هذه العمليات كانت تنتهي بتبادل اطلاق النار في بعض الاحيان!... وقنع المشرعون تماماً باقوال كولبي ورقّوه إلى منصب مدير وكالة المخابرات المركزية نظيراً لافضاله في فيتنام.
ومن الطبيعي ستبقى شهوة القتل لدى ساسة (السلطة السادسة) لان الولايات المتحدة استنادا إلى ايديولوجية هذه السلطة لا بد وان يكون لها عدواً تقاتله على الطريقة الامريكية، يقول (ويلسون): انطلاقاً من حقيقة ان التجارة ليس لها حدود قومية، وانطلاقاً من أن الصناعي يريد امتلاك العالم من اجل الاسواق، فان على علم بلاده ان يتبعه اينما ذهب، وعلى الابواب المغلقة للامم الاخرى أن تخلع، وعلى وزراء الولايات المتحدة ان يحملوا امتيازات اصحاب رؤوس الاموال، حتى ولو ادى ذلك إلى انتهاك سيادة الامم الاخرى المتمردة، يجب خلق المستعمرات أو الحصول عليها، بحيث لا نهمل أو تتغاضى عن اصغر زاوية في العالم.
وهكذا طبّق ويلسون عقيدته هذه عندما اصبح رئيساً للجمهورية بعد بضع سنين بغزوه المكسيك وجزيرة اسبانيولا التي تشكل هايتي وجمهورية الدومينكان.
ويقول (بول نيتش) رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1950م: تمتلك الولايات المتحدة قوة كونية، لهذا سيكون من الضروري ان نحدد لنا عدواً كونياً، وعلينا ان نضفي على هذا العدو كل صفات الشيطان، بحيث يصبح كل تدخل أو عدوان للولايات المتحدة مبرراً مسبقاً، وكأنه عمل دفاعي تجاه خطر يشمل الارض كلها.
اما اكذوبة الديمقراطية وحقوق الانسان التي تنادي بها الولايات المتحدة فان (جورج كينان) رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الامريكية عام 1948م يكشف لنا حقيقتها بقوله: نحن نملك 50% من ثروات العالم ولكننا لا نشكل اكثر من 6.3% من سكان الارض، وفي مثل هذا الوضع يبدو أنه لا مناص من ان نكون موضع غيرة وحسد الآخرين، وسيكون جهدنا الاساس في الحقبة المقبلة، تطوير نظام من العلاقات يسمح لنا بالاحتفاظ بهذا الوضع المتسم بعدم المساواة, دون أن نعرّض أمتنا القومي للخطر، ويجب علينا لتحقيق ذلك ان نتخلص من العاطفة تماماً، وان نتوقف عن احلام اليقضية. يجب ان يتركز انتباهنا في كل مكان على اهدافنا الوطنية الراهنة، علينا أن لا نخدع انفسنا ولا نستطيع أن نسمح لانفسنا اليوم بالغوص في ترف التفكير بالايثار وعمل الخير على مستوى العالم. علينا التوقف عن الحديث عن مواضيع غامضة أو غير ممكنة التحقيق، تتعلق بالشرق الاقصى، مثل حقوق الانسان، أو تحسين مستوى المعيشة، أو احلال النظام الديمقراطي. ولن يكون بعيداً اليوم الذين سنجد فيه انفسنا مضطرين للتحرك بصراحة من خلال علاقات القوة. وبقدر ما يكون ارتباكنا بسبب الشعارات المثالية اقل بقدر ما يكون ذلك افضل.
يتبع ....
كانت صرخة (رونالد ريغان) الرئيس الاسبق عام 1981م في المؤتمر الصحفي الذي جرى في أكتوبر داخل البيت الابيض والتي قال فيها: (ان الولايات المتحدة لن تسمح بأن تخرج المملكة العربية السعودية من المعسكر الغربي.. ان على واشنطن منذ اليوم تحديد النظام الذي يجب ان يكون في هذا البلد وأية حكومة يجب أن تحكمه)، مفاجأة نوعاً ما للذين يسبّحون بحمد الولايات المتحدة، ولكن المراقبين السياسيين والمطلعين على حقيقة السياسة الامريكية يعرفون ان هذه الصرخة ما هي إلاّ تذكير بأن الولايات المتحدة لم تغير ولن تغير سياستها تجاه الشعوب، كما انهم يعرفون أن الولايات المتحدة عندما تتعرض (مصالحها) سواء المعلنة أو المخفية لخطر ما فأنها تخلع لباس ما تسميه بالديمقراطية وتضعه على نصب الحرية لتخفيه عن الأعين. كما ان الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة على الشعب الافغاني تحت غطاء محاربة الارهاب جعلت المسبّحين بحمدها في ارتباك شديد، فهي لم تقدم دليلا واحداً على قيام الاسلاميين بتفجرات 11 سبتمبر، ثم حتى لو افترضنا ان الاسلاميين هم من خطط لهذه التفجيرات، هل سألت أمريكا نفسها عن سرِّ انقلاب اصدقاء الامس لدحر السوفيت من افغانستان إلى عدو اليوم، فالولايات المتحدة قد أضافت في عملها هذا، إلى سجل تخليها عن المتعاونين معها عندما تقتضي مصالحها ذلك، رقماً جديداً يؤرق هؤلاء المسبّحين من العملاء في المنطقة.
ثم هل أن الولايات المتحدة في حملتها على افغانستان هذه تريد فعلاً رأس الإسلاميين؟ فالواقع يظهر لنا أن الطائرات الامريكية تقوم بذبح الاطفال والنساء والابرياء من الرجال، في الوقت الذي لم تكن هناك مقاومة تذكر قد قامت بها جماعة (طالبان) ضد قوات التحالف المدعومة من الولايات المتحدة. لا نريد هنا أن نناقش الحملة الامريكية على افغانستان، ولكن نريد أن نشير إلى أن هذه العملية هي امتداد للسياسة الاجرامية الامريكية والتي سنحاول لاحقاً أن نقدم لها كشفاً تاريخياً. وسنلاحظ من خلال هذا الكشف انه لم يسلم شعب من شعوب الارض من هذه السياسة.
السياسة الأمريكية وليدة (السلطة السادسة):
يقول (فرانك براوننغ) في كتابه (الجريمة على الطريقة الأمريكية): منذ سنة 1960م اخذوا في الولايات المتحدة الامريكية يتحدثون كثيراً عن (سلطة خامسة) هي أحياناً قوية لدرجة ان السلطات الاربع الاخرى تنحني أمامها.. كان البعض يقصد بها فيها الجيش، والبعض الآخر المخابرات. ولكننا نعتقد بأن ما وراء كافة هذه القوى الاجتماعية، توجد قوة اخرى (سلطة سادسة) قد ظهرت في الولايات المتحدة. قوة قادرة على التأثير في الحكومة، في القانون، في الاقتصاد، في الشرطة، في الاسعار، في الاذواق... ان هذه القوة تغرز جذورها حتى منبت التاريخ الامريكي، ان تأثيرها عميق وسيطرتها واسعة، وقدرتها متنامية باستمرار.
فأمريكا لا تستطيع اليوم أن تعمل بدونها. ان هذه (السلطة السادسة) هي التي يمارسها عالم محترفي اجرام يعملون في خدمة الصناعيين والسياسيين من غير الشرفاء... أن الافراد الذين ينتهكون القانون يعرفون من الآن فصاعداً أن باستطاعتهم الاعتماد على حماية (المنظمة) وعلى ضمان اموالها وعلى تعريف كافة مستويات المجتمع للشبهات، هذا التعريف الذي تثبت بواسطته سلطتها. ان (السلطة السادسة) تستعلي على تحالفات الطبقات وعلى الصداقات السياسية التقليدية... ان (السلطة السادسة) تلك الجريمة الممأسسة ليست اذن افساد القوى الاجتماعية الاخرى وحسب. انها تؤلف سلطة مستقلة تقاوم السلطات الاخرى في الوقت ذاته الذي تنفذ به إليها مندسة في مستويات الحياة العصرية كافة. ولكل هذه الاسباب لا يمكن لتاريخ الجريمة في الولايات المتحدة إلاّ ان يكون تاريخ الولايات المتحدة الذي تنتشر فيه مغامرات الخارج على القانون، وقاطع الطريق والمتمرد والمبتز.
إذاً لم تكن الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة في حق شعوب الارض والتي نراها اليوم قد ولدت فجأة، وانما هي حالة منظمة دأب صنّاع القرار في الولايات المتحدة على تثبيتها في المجتمع الامريكي وصولاً إلى تحقيق الرعب في نفوس شعوب العالم لتحقيق السيطرة الكاملة عليها. وقد وظّف هؤلاء الساسة كل النظريات التي اطلقها الموتورون في العالم، بعد أن أسبغوا عليها مسحة امريكية ووضعوها في قوالب مقننة انتجت هذا السيل من الجرائم، فهذا احدهم يقول: من الجلي ان الله دعى المستعمرين إلى الحرب حيث يركن الهنود إلى عددهم واسلحتهم، يتربصون الفرص لارتكاب الشر، مثلما فعلت قبائل الاماليين والفلسطينيين الذين تحالفوا مع آخرين ضد اسرائيل.
هكذا اصبح صاحب الارض والذي طرد من ارضه يتربص الفرص لارتكاب الشر، لماذا؟! لان الصهيونية قررت أن يكون هناك كيان يجمع فيه اليهود بعد ان تقوم عصابات الهاغاناه وغيرها بقتل كل شيء يحمل طابعاً فلسطينيا سواء كان بشراً أو حيواناً أو نباتاً، مندفعين بوحشية لم تشابهها إلاّ وحشية اولئك الذين دعموهم بكل شيء لتمكينهم من ارتكاب جريمتهم الكبرى، ولان هذا العمل يلائم اهداف (السلطة السادسة) في الولايات المتحدة، اولئك الذين نزلوا امريكا بلباس البوريتانية الانكليزية وهم يحملون معهم الاعتقاد الاشد فتكاً في تاريخ الانسانية وهو الاعتقاد بفكرة الشعب المختار الذين اعطى الشرعية لعمليات استئصال السكان الاصليين واغتصاب اراضيهم وكأنها أمر الهي!!. يصف توكفيل الكاتب الفرنسي احدى هذه الحفلات التي شاهدها قائلاً: في قلب الصحراء، وفي اواسط الشتاء، حيث كان البرد قارساً جداً، قام ثلاثة آلاف أو اربعة آلاف بمطاردة الاعراق البدوية من الوطنيين الذين كانوا يفرون امامهم، حاملين مرضاهم وجرحاهم، واطفالاً ولدوا حديثاً، وشيوخاً على حافة الموت، ثم يقول: ان المشهد كان مثيراً ولم يمّح من ذاكرتي ابداً.
وفي الصفحة الثانية كان الرجال العظام يبنون حضارة امريكا من خلال منظمة (كوكلكس كلان) التي أقسمت على اهانة الرجل الاسود وضربه وشنقه بلا محاكمة، وجعله يفهم أنه جيء به إلى امريكا لغرض العبودية وليس لغرض آخر.
هكذا إذاً تكونت الحضارة الامريكية، والحرية الامريكية، والديمقراطية الامريكية، وانجبت لنا اجيالاً تقتل ببرودة، وعندما يقوم خريجوا معاهد (السلطة السادسة) في الولايات المتحدة بعملية القتل يكافئون على هذا العمل، لأنه عمل حضاري، فلا عجب إذاً إذا رأينا أن ساسة هذه السلطة يكافئون الضابط البحري الذي أمر باطلاق صاروخ على الطائرة الايرانية المدنية ليقتل 298 مدنيا بريئاً، مثلما كوفيء (كولبي) بقتله المدنيين في فيتنام باعصاب باردة. في احدى جلسات الاستماع التي عقدتها احدى لجان الكونجرس الامريكي في عام 1971م حيث سأله المشرعون الامريكيون المحبون للمعرفة عن درجة ارتباط الولايات المتحدة بمشروع (فينكس)، قال كولبي الذي استدعوه للادلاء باقواله: انه يشارك في المشروع 637 من العسكريين الامريكيين بالاضافة إلى (المدنيين) أي موظفي وكالة المخابرات المركزية:
سؤال: هل يشارك الامريكيون في عمليات الاعتقال؟
كولبي: انهم لا يقومون بالاعتقال يا سيادة الرئيس ولكنهم يشاركون فيه!!
سؤال: هل شاركوا في محاولات الاعتقال التي انتهت بالقتل؟
كولبي: بالطبع لا، هذه العمليات كانت تنتهي بتبادل اطلاق النار في بعض الاحيان!... وقنع المشرعون تماماً باقوال كولبي ورقّوه إلى منصب مدير وكالة المخابرات المركزية نظيراً لافضاله في فيتنام.
ومن الطبيعي ستبقى شهوة القتل لدى ساسة (السلطة السادسة) لان الولايات المتحدة استنادا إلى ايديولوجية هذه السلطة لا بد وان يكون لها عدواً تقاتله على الطريقة الامريكية، يقول (ويلسون): انطلاقاً من حقيقة ان التجارة ليس لها حدود قومية، وانطلاقاً من أن الصناعي يريد امتلاك العالم من اجل الاسواق، فان على علم بلاده ان يتبعه اينما ذهب، وعلى الابواب المغلقة للامم الاخرى أن تخلع، وعلى وزراء الولايات المتحدة ان يحملوا امتيازات اصحاب رؤوس الاموال، حتى ولو ادى ذلك إلى انتهاك سيادة الامم الاخرى المتمردة، يجب خلق المستعمرات أو الحصول عليها، بحيث لا نهمل أو تتغاضى عن اصغر زاوية في العالم.
وهكذا طبّق ويلسون عقيدته هذه عندما اصبح رئيساً للجمهورية بعد بضع سنين بغزوه المكسيك وجزيرة اسبانيولا التي تشكل هايتي وجمهورية الدومينكان.
ويقول (بول نيتش) رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1950م: تمتلك الولايات المتحدة قوة كونية، لهذا سيكون من الضروري ان نحدد لنا عدواً كونياً، وعلينا ان نضفي على هذا العدو كل صفات الشيطان، بحيث يصبح كل تدخل أو عدوان للولايات المتحدة مبرراً مسبقاً، وكأنه عمل دفاعي تجاه خطر يشمل الارض كلها.
اما اكذوبة الديمقراطية وحقوق الانسان التي تنادي بها الولايات المتحدة فان (جورج كينان) رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الامريكية عام 1948م يكشف لنا حقيقتها بقوله: نحن نملك 50% من ثروات العالم ولكننا لا نشكل اكثر من 6.3% من سكان الارض، وفي مثل هذا الوضع يبدو أنه لا مناص من ان نكون موضع غيرة وحسد الآخرين، وسيكون جهدنا الاساس في الحقبة المقبلة، تطوير نظام من العلاقات يسمح لنا بالاحتفاظ بهذا الوضع المتسم بعدم المساواة, دون أن نعرّض أمتنا القومي للخطر، ويجب علينا لتحقيق ذلك ان نتخلص من العاطفة تماماً، وان نتوقف عن احلام اليقضية. يجب ان يتركز انتباهنا في كل مكان على اهدافنا الوطنية الراهنة، علينا أن لا نخدع انفسنا ولا نستطيع أن نسمح لانفسنا اليوم بالغوص في ترف التفكير بالايثار وعمل الخير على مستوى العالم. علينا التوقف عن الحديث عن مواضيع غامضة أو غير ممكنة التحقيق، تتعلق بالشرق الاقصى، مثل حقوق الانسان، أو تحسين مستوى المعيشة، أو احلال النظام الديمقراطي. ولن يكون بعيداً اليوم الذين سنجد فيه انفسنا مضطرين للتحرك بصراحة من خلال علاقات القوة. وبقدر ما يكون ارتباكنا بسبب الشعارات المثالية اقل بقدر ما يكون ذلك افضل.
يتبع ....