• مرحبا ٬ في حال تعتذر تسجيل الدخول ، يرجى عمل استرجاع كلمه المرور هنا

مشكلات صنع السياسة في الساحة الفلسطينية

بنت شعم

๑ . . عضو موهوب . . ๑
التسجيل
2 مارس 2004
رقم العضوية
1367
المشاركات
787
مستوى التفاعل
1
العمر
44
الجنس
لا تختلف طرائق صنع السياسة في الساحة الفلسطينية عن طرائقها في الساحات العربية إلا بالتفاصيل وفي كونها تتعرض لقضايا ساخنة وتاريخية ورمزية ولتدخلات خارجية. فالفلسطينيون لم يعتادوا مناقشة قضاياهم بمسؤولية وانفتاح وشفافية مع بعضهم رغم خبراتهم وتجاربهم. ولازالت طريقة صنع القرارات والسياسات لديهم لا ترتكز على مؤسسات وإطارات شرعية ولا إلى موازين القوى والمصالح الآنية والمستقبلية، بقدر ما ترتكز على العواطف والمزاجات وإرادة القائد!

مثلا إذا تجاوزنا الوقائع السرية لعقد اتفاقات أوسلو (1993) فإنه وعلى مدار عشر سنين من عمر مسيرة التسوية لم تجر القيادة الفلسطينية أي حوار جدي أو مسؤول حول القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين، لا في ورشات عمل مختصة ولا في هيئات تشريعية مسؤولة ولا حتى في وسائل الإعلام.

في المقابل يمكن ملاحظة أنه ثمة جهدا دؤوبا وحرصا كبيرا، من قبل القياديين الفلسطينيين، على إجراء نقاشات مطولة ومعمقة مع القياديين الإسرائيليين، في غرف مغلقة. هكذا سمعنا في المرحلة الماضية عن تفاهمات: أبو مازن ـ بيلين، وبيريز ـ قريع، وأيالون ـ نسيبة، وبيلين ـ عبد ربه (تفاهمات جنيف). وما يلفت الانتباه أيضا لجوء القيادة الفلسطينية، في كثير من الأحيان، إلى تمرير مواقف على غاية من الأهمية عبر وسائل الإعلام، لكأنها تتهرب من النقاش الداخلي، أو كأنها تعتبر الأمر نوعا من "التشاطر" على المعادلات السياسية.

هكذا، مثلا، تحدث أبو علاء (رئيس الوزراء)، قبل أشهر معدودات، عن امكان تغيير الفلسطينيين لاستراتيجيتهم المتمثلة بالعمل من أجل دولة فلسطينية لصالح العمل من أجل دولة "ثنائية القومية"، من دون أن يقر هذا التغيير أي إطار قيادي فلسطيني! وخلال الأعوام 1999 ـ 2001، ظل الرئيس عرفات يهدد بالإعلان عن قيام دولة فلسطينية من طرف واحد دون أن يعني ذلك حقاً، ومن دون أن يهيئ للأمر عدته، داخليا وخارجيا! وكانت القيادة الفلسطينية دخلت تجربة التفاوض حول التسوية النهائية مع إسرائيل لحل قضايا: اللاجئين ـ القدس ـ المستوطنات ـ الحدود ـ الترتيبات الأمنية، برعاية من الرئيس الأمريكي السابق كلينتون، في كامب ديفيد ثم طابا (من يوليو 2000 إلى فبراير 2001) من دون أن تسند موقفها التفاوضي بأي مرجعية.

وكما بات معروفا فقد أخفقت هذه المفاوضات لأسباب أمريكية وإسرائيلية، ولأسباب فلسطينية، أيضا، تتعلق بطريقة إدارة القيادة للمفاوضات وعدم تقديرها المناسب للوضع). وفيما بعد قاد هذا الفشل إلى الانتفاضة وإلى احتدام الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث حرصت القيادة الفلسطينية على تجميع الأوراق في يديها، عبر المزاوجة بين المفاوضة والانتفاضة، ما كانت نتيجته انهيار عملية التسوية ومعاودة احتلال إسرائيل لأراضي السلطة، وتدمير مقومات الكيان الفلسطيني، وعزل القيادة الفلسطينية، وغير ذلك من المفاعيل الكارثية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

المشكلة هنا لا تكمن في اتخاذ القيادة الفلسطينية لهذا الموقف أو ذاك، فالمشكلة تكمن أولاً، في انعدام النقاش الداخلي الفلسطيني حول عملية التسوية بتعقيداتها واشكالياتها؛ وثانياً، في عدم استعداد القيادة للحسم في أي اتجاه؛ وثالثاً، في ضعف تقدير القيادة للتغيرات: الدولية والإقليمية والإسرائيلية؛ ورابعاً، في إصرار هذه القيادة التلاعب على طريقتها القديمة بالسياسات والمعطيات وموازين القوى وإصدار الإشارات المتضاربة حول كل قضية!

ما يسند ما ذهبنا إليه أن ياسر عرفات، وبعد عامين على انهيار مفاوضات كامب ديفيد وطابا وبعد أن جرت مياه كثيرة في نهر الصراع الدامي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بات يطالب بعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الانتفاضة(29 سبتمبر 2000)، كما بات يعلن صراحة موافقته على خطة كلينتون للتسوية، من خارج إطار المؤسسات الشرعية وخصوصا من خارج العملية التفاوضية؛ بعد أن فات الأمر وبعد أن سجل سابقا العديد من التحفظات عليها!

ففي مقالة له نشرتها نيويورك تايمز (فبراير 2002) بعد حصاره في مقره في رام الله (قبيل عملية "السور الواقي" التي شنها الجيش الإسرائيلي لإعادة احتلال مناطق السلطة الفلسطينية في أواخر مارس 2002)، أعرب عرفات (ربما لأول مرة) عن تفهمه لواقع أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين يجب أن يأخذ في الحسبان مخاوف إسرائيل الديمغرافية..وكرر عرفات هذا الموقف في مقابلة أجراها معه عكيفا الدار (هآرتس 23/6/2002) في خضم استعداد الإدارة الأمريكية للإعلان عن رؤية الرئيس بوش للتسوية (24/6/2002). وكان التطور في هذه المقابلة إعلان عرفات موافقته على خطة كلينتون للتسوية التي طرحها (أواخر عام 2000)، والتي تتضمن خمسة خيارات لحل قضية حق العودة للفلسطينيين، أحدها إلى إسرائيل (شرط موافقتها) وبأعداد محدودة وعلى مدى زمني طويل. وتقترح الخطة أيضا إجراء تعديلات حدودية وتبادل مناطق بين الفلسطينيين والإسرائيليين وسيادة إسرائيل على حائط المبكى والحي اليهودي في شرقي القدس وعلى الطرق المؤدية إليهما. ولعل الموقف الأكثر أهمية في المقابلة يكمن في إفصاح عرفات عن أن الصيغة المفضلة لديه للتسوية هي فيدرالية دولية على طراز "البينولكس" (اتحاد بين دول مستقلة على غرار بلجيكا هولندا لوكسمبرغ) تضم إسرائيل وفلسطين ولبنان والأردن. وأكد عرفات مواقفه في مقابلة أجراها معه هنري سيغمان، المدير السابق للكونغرس اليهودي الأمريكي ورئيس "طاقم المهمة" لشؤون الشرق الأوسط في المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية حاليا.(هأرتس 11/12/2003).

على ذلك لا يمكن الادعاء بأنه ثمة مفاجأة في المواقف التي أدلى بها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في المقابلة الصحفية التي أجراها معه الصحافيان الإسرائيليان دافيد لنداو وعكيفا الدار (نشرتها هآرتس يوم 18/6)، فهذه المواقف قديمة وهي تؤكد حال الاضطراب الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، بسبب غياب المؤسسات والانفراد في القيادة والمزاجية في اتخاذ القرارات.

وكان الرئيس عرفات جدد في أقواله للصحيفة على مواقف تتجاوز الخطوط السائدة في السياسة الرسمية الفلسطينية، في عدة أمور، أهمها: 1 ـ تفهم الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية؛ 2 ـ حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بطريقة لا تمس بطبيعة الدولة اليهودية؛ بالتوافق مع إسرائيل، على أن ينطبق ذلك أولا على اللاجئين في مخيمات لبنان (بحدود 200 ألف)؛ 3 ـ تبادل أراضي مع إسرائيل لحل مشكلة الحدود والكتل الاستيطانية بما يعادل 2 ـ 3 بالمئة من مساحة الضفة؛ 4 ـ القبول بسيطرة إسرائيل على حائط المبكى والحي اليهودي، مع ممر بينهما؛ 6 ـ التعهد بوقف عمليات المقاومة في حال تم التوافق على هذه الأسس. اللافت أن مواقف مشابهة، أصدرها أبو مازن وساري نسيبة وياسر عبد ربه (في وثيقة جنيف)، أثارت شبهات حول أصحابها، ولكن الحصانة التي يتمتع بها عرفات ومكانته التاريخية والرمزية تجنبه الكثير من التبعات، ولعل هذا ما يؤكد أهمية عرفات بالنسبة لشعبه ولعملية التسوية.

طبعا لا يقصد من هذا الحديث نفي أهمية الحوار مع الإسرائيليين، أو نفي حق القيادة بالتمتع بهامش من المناورة والمرونة في خطاباتها ومفاوضاتها وعلاقاتها. فالحديث هنا يتعلق بسلبيات احتكار القيادة التقرير بمستقبل الشعب، بعيدا عن الأطر الشرعية والمؤسسات. كما يتعلق بأهمية ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإصدار سياسات عقلانية ثابتة ليس لها علاقة بالمناورات والمزاجيات والتوظيفات الآنية.

وهذا الحديث يتعلق بأهمية إطلاق نقاش سياسي علني عام، تصارح فيه القيادة شعبها بالمعضلات والتعقيدات والتحديات التي يواجهها، خصوصا أن الفلسطينيين الذين يدافعون بالنفس والنفيس عن حقوقهم وحريتهم وكرامتهم، لهم حقا على قيادتهم في المصارحة والمكاشفة. ولا شك بأن مبادرة مثل هذه من شأنها تجنيب الساحة الفلسطينية الخلافات، وتحصينها تجاه أية توترات أو مداخلات مضرة، كما من شأنها تعزيز ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وبسلامة مسار قيادتهم.
 
عودة
أعلى