Bin_RaK
๑ . . عضو بقراطيسة . . ๑
آراء أساتذة علم النفس حول شخصيته
سوسن كمال
الحرب الأمريكية المعلنة علي النظام العراقي ليست ابنة الحادي عشر من سبتمبر ، وليست وليدة انفعال شخصي بين قائدين يحركهما الثأر ، بل هي لعبة مصالح تحكمها قواعد برائحة النفط والعشيرة والطوائف ، وتوازنات تأخذ شكل رقعة الشطرنج ، إلا أن الجانب الشخصي ليس بعيدا تماما من ساحة الصراع غير المتكافيء بين الولايات المتحدة الأميركية التي خرجت من الحرب الباردة كقوة عظمى وحيدة ، والعراق الذي أثخنته سنوات الحرب مع إيران ثم غزو الكويت وسنوات الحصار
فجورج بوش أو بوش الإبن قد صرَّح في أكثر من مرة أن الرئيس العراقي صدام حسين حاول قتل أبي ، ولا ينسى بوش الأب أن صدام حسين تحول إلى لعنة عند العائلة لسببين
أولهما : أن العراق وضع صورة بوش الأب على أرضية مدخل فندق الرشيد في بغداد
وثانيهما : أن بوش الأب خسر مكانه في البيت الأبيض رغم انتصاره على صدام في حرب تحرير الكويت في مطلع عقد التسعينات من القرن الفائت
ويخشى الرئيس الأمريكي الحالي أن يخوض حرباً ينتصر فيها عسكرياً ويخسر سياسياً ولذلك يقدم رجلا ويؤخر الثانية
وفي الجانب الآخر يتخندق الرئيس العراقي في بلده متسربلا بتراجعاته التكتيكية ليتكيف مع الوضع العالمي الجديد ، فبعد 11 سبتمبر لم يعد هناك مجال للعنتريات السياسية ، وأدخلت أميركا العالم قواقع الواقعية غير السحرية وهنا بدأ العراق تراجعاته فاعتذر للعالم عن طرد خبراء التفتيش الدولي ثم اعتذر للكويت عن الغزو (وإن جاء الإعتذار تحريضيا) وقدم فاصلا من التعاون المثالي مع الأمم المتحدة التي اتهمها من قبل بالتواطؤ مع الولايات المتحدة
هذا التحقيق السريع أشبه بإسكتش نفسي أو قراءة عاجلة في دفتر أحوال الرئيس العراقي صدام حسين النفسية للإجابة على عدة تساؤلات تدور في مخيلة القاريء العربي الذي يتابع أزمات العراق المتتالية منذ عقد الثمانينات (أي منذ تولي صدام الحكم) أهمها : هل سيبقى في الحكم كما هو أم سيبقى كما تشير حكايات أخرى؟
يقول المثل العربي الشائع لكل اسم من مسماه نصيب ، ويبدو أن الرئيسين صدام وبوش يحملان نصيبا كبيرا من اسميهما ، فصدام كثير الصدام بحسب اللغة العربية وبحسب تاريخه وسيرته الذاتية التي بدأت بتمرده على أسرته وهربه من طفولته المعذبة والتحاقه بالمدرسة رغما عن أهله وذهابه إلى تكريت عند خاله خير الله لبدء دراسته وانتهاءً باعتلاء السلطة في حزب البعث الحاكم في العراق وما رافق تلك الرحلة الطويلة من صدامات مع الأقارب والأصهار تلونت بخارطة الدم
أما بوش فتعني بالإنجليزية ادفع أو اضغط وهي تعكس فلسفة الطفل المدلل جورج بوش ابن العائلة الثرية التي جمعت له مالا واشترت له ناديا ليصبح ثريا ثم جمعت له مالا ليتاجر في النفط قبل أن يصبح حاكما لولاية تكساس ، ومن جوانب شخصية بوش أنه الحاكم الأكثر تصديقا على أحكام الإعدام من بين حكام الولايات الأمريكية
كما أنه من اللافت أن أحكام الإعدام في تكساس قد انخفضت إلى النصف بعد رحيل بوش إلى البيت الأبيض
وإذا كان الرئيسان يمارسان لغة الصِدام والضغط فإن النتيجة هي سيادة منطق الصراع ومن ثم تصبح الأسئلة المطروحة حول تنحي صدام عن الحكم لإنهاء الأزمة مثل جمل اعتراضية ومع ذلك طرحناها على علماء النفس العرب الذين قالوا أنهم لا يحللون شخصية الرئيس العراق ولكنهم يقدمون انطباعات علمية حول شخصيته
في البداية يقول الدكتور طلعت مطر رئيس قسم الصحة النفسية في مستشفى رأس الخيمة أنه لا يصح للطبيب النفسي أن يحكم على شخص ما بالمرض أو يصدر عليه حكما نفسيا دون أن يراه عن قرب حتى لا نلقي الصفات النفسية جزافا ، وحينما لفت نظره إلى أننا لا نحاول إصدار حكم نفسي على الرئيس العراقي أو منحه روشتة طبية أكثر مما نحاول تلمس ملامحه في آتون الأزمة لنتعرف وقع الخطى المقبلة ، وأننا نحاول ذلك من خلال مواقفه السابقة مثل اعتذاراته وتراجعاته فقال : إنني أقدم احتراسا علميا حتى لا يساء فهم مهنة الطب النفسي أو التحليل النفسي ، إذ لا يمكنني تحليل شخصية بوش أو صدام انطلاقا من تصريحاتهما الصحفية لأنني لا أملك وسيلة استطيع بها أن أتثبت من دقة مقولاتهما ، إذ كثيرا ما تنشر الصحف أخبارا ملفقة أو مغلوطة ، وعندئذ فماذا يكون موقف الطب النفسي المستند لأخبار غير حقيقية ، ويستطرد د· طلعت مطر : ولكن يمكنني أن أقدم قراءة نفسية عاجلة لشخص من خلال مقابلة أولى أو من خلال تصريحات له وأصل إلى توصيفه من خلال حركاته وانفعالاته ، وإذا طبقنا هذا الكلام على الرئيس الأمريكي بوش فإننا لا نستطيع أن نقدم بروفيلاً عنه أفضل من العلماء الأمريكيين كما نعتقد ، لأننا جميعا نعلم أن بوش يحكم باسم مجموعات سياسية دفعت به إلى سدة الحكم ، وهو في ذلك على العكس من صدام حسين الذي يحكم العراق منفردا
وبين الرئيسين تناقض كبير فالأمريكي مجرد صورة للحاكم حيث تقف وراءه إدارة كبيرة لديها خطط استراتيجية وحسابات مصالح لا يمكنه أن يتجاوزها ، ومن هنا يصبح الحكم على بوش كرئيس دولة من خلال علاقته كفرد مع الإدارة الحاكمة أو مع مجموعات المصالح ، أما سلوكه الشخصي الذي يظهر أمام شاشات الكاميرا فقد لا يكون دقيقا لأن معظم هذه السلوكيات صار مبرمجا وفق أبجديات أقنعة السياسة وصناعة الصورة
وإذا حاولنا - يضيف الدكتور طلعت مطر - أن نضع اسكتشا نفسيا للرئيس العراقي صدام حسين ، فلا شك أننا سنصفه بالديكتاتور أي الزعيم المسيطر بشكل كامل على مقدرات الأمور في بلاده والمنفرد تماما بالرأي حيث لا يقبل الآخر ، ومثل هذه الشخصية بشكل عام تتمتع بنوع عال من التقدير الذاتي ربما يصل لدرجة التقديس أو السادية أي حب تعذيب الآخرين إرضاءً لنرجسية الذات ومثل هذا النمط من الأشخاص يتسم بالعدوانية الشديدة الهدامة
وصدام كان في بدايته ذا طاقة عدوانية بناءة ، فقد أسهم في بناء العراق وتطويره قبل أن يستسلم لظروف داخلية وإقليمية وتتحول عدوانيته البناءة إلى شيء هدام مما أدى إلى انهيار التوظيف الإيجابي لطاقة العدوان في البناء وظهرت الديكتاتورية
سألت الدكتور مطر : هل يمكن لشخصية هذه سماتها أن تتنحى لتنقذ شعبها كما يطالبها الكثيرون الآن؟
فقال : إن مثل هذا النمط من الأشخاص خاصة أولئك الذين ينظرون لذواتهم باعتبارهم شيئا مقدسا لا يمكنهم أن يتنحوا أو يعتزلوا الحياة العامة مهما فرضت عليهم الظروف ذلك لأن الذات المقدسة تنظر إلى الإعتزال أو التنحي على أنه الوفاة ، وما توصل إليه الدكتور طلعت مطر ذكره الكاتب مسلم علي مسلمفي كتابه لماذا غزا صدام حسين الكويت حيث يقول : بعد هزيمة صدام على يد التحالف الدولي عام 1991 توقع الكثيرون أن يُقدم صدام على الإنتحار أو أنه يذهب إلى المنفى أو أن يعمد على الأقل إلى الإستقالة وأن يترك في الحكم نسيبا أو تابعا له ، غير أن صدام قام بدلا من ذلك بلوم الغير على الهزيمة وأنكر أية مسؤولية شخصية وتمسك بالسلطة وواصل تحديه بوجه الحظر الدولي المتشدد الذي جعل من بلاده رهينة
ويستهل الدكتور ماجد الكيلاني أستاذ علم النفس في جامعة الإمارات قراءة شخصية الرئيس العراقي بالتأكيد على استحالة إقدام صدام على التنحي لأن العقل لديه يدور في فلك القوة والسلطة وليس في فلك المعرفة ، ولأنه يربط المجتمع بقوانين القوة والسيطرة فقط ، لذلك فالقانون الذي يحكم حياته هو البقاء للأقوى وأن الأكثر قوة هو الأكثر فهما
وبيَّن الدكتور الكيلاني أن السمات الديكتاتورية تسود في هذه الحالة غالبا مع نقص القدرات الفكرية التي تدفع الشخص للإنغلاق على رأيه وعدم الثقة بقدرات الآخرين ، ومع سيادة نمط مثل هذه الشخصية في مجتمع فإنه سرعان ما يتحول لمجتمع من القطيع الذي تحكمه علاقة التابع والمتبوع دون إعمال للفكر أو المعارضة ، وبدون إعمال الفكر لا يمكن لفرد أن يصل لمرحلة النضج التي تتمثل في أربعة أنواع هي النضج العقلي وهو القدرة على الوعي بالأمور وتدبيرها والنضج الإجتماعي ويعني القدرة على التفاعل مع الآخرين والنضج الإنفعالي ويعني حركة الإرادة الإنسانية التي تحقق رقي النوع البشري وأخيرا النضج الجسدي الذي يؤدي إلى الإنجاب
وتربية الإنسان تقوم على تنمية القدرات الثقافية والفكرية لديه وعندما تتم تربية الإنسان يمر بثلاثة مستويات من النضج هي : الإعتماد على الآخرين وتميزها مرحلة الطفولة ، والمستوى الثاني هو الإقتباس من الآخرين والإحتكام لمعاييرهم وهذا النوع من مستويات النضج يتسم بالإرتجالية وردود الفعل السريعة ويقف العقل عن التخطيط ولكن إذا أحسنَّا تربية الإنسان لخرجنا به من مرحلة الإقتباس إلى الإستقلال المتعاون وهو المستوى الثالث من النضج
بينما هذا النمط الثاني هو النضج الناقص يرى الأمور بمنطق الأبيض والأسود وتتسم أفعال الفرد في هذه المرحلة بأقصى درجات الإستعداد للعنف واستخدام القوة ، والمستوى الثالث هو الإستقلال موثقا بالتعاون مع الآخرين ، ولا يتم الوصول لهذا المستوى إلا بتربية القدرات الفكرية والثقافية ، ومحور هذا المستوى من النضج هو نحن لا أنا أي أن الفرد فيها يؤمن بالعمل الجماعي
سوسن كمال
الحرب الأمريكية المعلنة علي النظام العراقي ليست ابنة الحادي عشر من سبتمبر ، وليست وليدة انفعال شخصي بين قائدين يحركهما الثأر ، بل هي لعبة مصالح تحكمها قواعد برائحة النفط والعشيرة والطوائف ، وتوازنات تأخذ شكل رقعة الشطرنج ، إلا أن الجانب الشخصي ليس بعيدا تماما من ساحة الصراع غير المتكافيء بين الولايات المتحدة الأميركية التي خرجت من الحرب الباردة كقوة عظمى وحيدة ، والعراق الذي أثخنته سنوات الحرب مع إيران ثم غزو الكويت وسنوات الحصار
فجورج بوش أو بوش الإبن قد صرَّح في أكثر من مرة أن الرئيس العراقي صدام حسين حاول قتل أبي ، ولا ينسى بوش الأب أن صدام حسين تحول إلى لعنة عند العائلة لسببين
أولهما : أن العراق وضع صورة بوش الأب على أرضية مدخل فندق الرشيد في بغداد
وثانيهما : أن بوش الأب خسر مكانه في البيت الأبيض رغم انتصاره على صدام في حرب تحرير الكويت في مطلع عقد التسعينات من القرن الفائت
ويخشى الرئيس الأمريكي الحالي أن يخوض حرباً ينتصر فيها عسكرياً ويخسر سياسياً ولذلك يقدم رجلا ويؤخر الثانية
وفي الجانب الآخر يتخندق الرئيس العراقي في بلده متسربلا بتراجعاته التكتيكية ليتكيف مع الوضع العالمي الجديد ، فبعد 11 سبتمبر لم يعد هناك مجال للعنتريات السياسية ، وأدخلت أميركا العالم قواقع الواقعية غير السحرية وهنا بدأ العراق تراجعاته فاعتذر للعالم عن طرد خبراء التفتيش الدولي ثم اعتذر للكويت عن الغزو (وإن جاء الإعتذار تحريضيا) وقدم فاصلا من التعاون المثالي مع الأمم المتحدة التي اتهمها من قبل بالتواطؤ مع الولايات المتحدة
هذا التحقيق السريع أشبه بإسكتش نفسي أو قراءة عاجلة في دفتر أحوال الرئيس العراقي صدام حسين النفسية للإجابة على عدة تساؤلات تدور في مخيلة القاريء العربي الذي يتابع أزمات العراق المتتالية منذ عقد الثمانينات (أي منذ تولي صدام الحكم) أهمها : هل سيبقى في الحكم كما هو أم سيبقى كما تشير حكايات أخرى؟
يقول المثل العربي الشائع لكل اسم من مسماه نصيب ، ويبدو أن الرئيسين صدام وبوش يحملان نصيبا كبيرا من اسميهما ، فصدام كثير الصدام بحسب اللغة العربية وبحسب تاريخه وسيرته الذاتية التي بدأت بتمرده على أسرته وهربه من طفولته المعذبة والتحاقه بالمدرسة رغما عن أهله وذهابه إلى تكريت عند خاله خير الله لبدء دراسته وانتهاءً باعتلاء السلطة في حزب البعث الحاكم في العراق وما رافق تلك الرحلة الطويلة من صدامات مع الأقارب والأصهار تلونت بخارطة الدم
أما بوش فتعني بالإنجليزية ادفع أو اضغط وهي تعكس فلسفة الطفل المدلل جورج بوش ابن العائلة الثرية التي جمعت له مالا واشترت له ناديا ليصبح ثريا ثم جمعت له مالا ليتاجر في النفط قبل أن يصبح حاكما لولاية تكساس ، ومن جوانب شخصية بوش أنه الحاكم الأكثر تصديقا على أحكام الإعدام من بين حكام الولايات الأمريكية
كما أنه من اللافت أن أحكام الإعدام في تكساس قد انخفضت إلى النصف بعد رحيل بوش إلى البيت الأبيض
وإذا كان الرئيسان يمارسان لغة الصِدام والضغط فإن النتيجة هي سيادة منطق الصراع ومن ثم تصبح الأسئلة المطروحة حول تنحي صدام عن الحكم لإنهاء الأزمة مثل جمل اعتراضية ومع ذلك طرحناها على علماء النفس العرب الذين قالوا أنهم لا يحللون شخصية الرئيس العراق ولكنهم يقدمون انطباعات علمية حول شخصيته
في البداية يقول الدكتور طلعت مطر رئيس قسم الصحة النفسية في مستشفى رأس الخيمة أنه لا يصح للطبيب النفسي أن يحكم على شخص ما بالمرض أو يصدر عليه حكما نفسيا دون أن يراه عن قرب حتى لا نلقي الصفات النفسية جزافا ، وحينما لفت نظره إلى أننا لا نحاول إصدار حكم نفسي على الرئيس العراقي أو منحه روشتة طبية أكثر مما نحاول تلمس ملامحه في آتون الأزمة لنتعرف وقع الخطى المقبلة ، وأننا نحاول ذلك من خلال مواقفه السابقة مثل اعتذاراته وتراجعاته فقال : إنني أقدم احتراسا علميا حتى لا يساء فهم مهنة الطب النفسي أو التحليل النفسي ، إذ لا يمكنني تحليل شخصية بوش أو صدام انطلاقا من تصريحاتهما الصحفية لأنني لا أملك وسيلة استطيع بها أن أتثبت من دقة مقولاتهما ، إذ كثيرا ما تنشر الصحف أخبارا ملفقة أو مغلوطة ، وعندئذ فماذا يكون موقف الطب النفسي المستند لأخبار غير حقيقية ، ويستطرد د· طلعت مطر : ولكن يمكنني أن أقدم قراءة نفسية عاجلة لشخص من خلال مقابلة أولى أو من خلال تصريحات له وأصل إلى توصيفه من خلال حركاته وانفعالاته ، وإذا طبقنا هذا الكلام على الرئيس الأمريكي بوش فإننا لا نستطيع أن نقدم بروفيلاً عنه أفضل من العلماء الأمريكيين كما نعتقد ، لأننا جميعا نعلم أن بوش يحكم باسم مجموعات سياسية دفعت به إلى سدة الحكم ، وهو في ذلك على العكس من صدام حسين الذي يحكم العراق منفردا
وبين الرئيسين تناقض كبير فالأمريكي مجرد صورة للحاكم حيث تقف وراءه إدارة كبيرة لديها خطط استراتيجية وحسابات مصالح لا يمكنه أن يتجاوزها ، ومن هنا يصبح الحكم على بوش كرئيس دولة من خلال علاقته كفرد مع الإدارة الحاكمة أو مع مجموعات المصالح ، أما سلوكه الشخصي الذي يظهر أمام شاشات الكاميرا فقد لا يكون دقيقا لأن معظم هذه السلوكيات صار مبرمجا وفق أبجديات أقنعة السياسة وصناعة الصورة
وإذا حاولنا - يضيف الدكتور طلعت مطر - أن نضع اسكتشا نفسيا للرئيس العراقي صدام حسين ، فلا شك أننا سنصفه بالديكتاتور أي الزعيم المسيطر بشكل كامل على مقدرات الأمور في بلاده والمنفرد تماما بالرأي حيث لا يقبل الآخر ، ومثل هذه الشخصية بشكل عام تتمتع بنوع عال من التقدير الذاتي ربما يصل لدرجة التقديس أو السادية أي حب تعذيب الآخرين إرضاءً لنرجسية الذات ومثل هذا النمط من الأشخاص يتسم بالعدوانية الشديدة الهدامة
وصدام كان في بدايته ذا طاقة عدوانية بناءة ، فقد أسهم في بناء العراق وتطويره قبل أن يستسلم لظروف داخلية وإقليمية وتتحول عدوانيته البناءة إلى شيء هدام مما أدى إلى انهيار التوظيف الإيجابي لطاقة العدوان في البناء وظهرت الديكتاتورية
سألت الدكتور مطر : هل يمكن لشخصية هذه سماتها أن تتنحى لتنقذ شعبها كما يطالبها الكثيرون الآن؟
فقال : إن مثل هذا النمط من الأشخاص خاصة أولئك الذين ينظرون لذواتهم باعتبارهم شيئا مقدسا لا يمكنهم أن يتنحوا أو يعتزلوا الحياة العامة مهما فرضت عليهم الظروف ذلك لأن الذات المقدسة تنظر إلى الإعتزال أو التنحي على أنه الوفاة ، وما توصل إليه الدكتور طلعت مطر ذكره الكاتب مسلم علي مسلمفي كتابه لماذا غزا صدام حسين الكويت حيث يقول : بعد هزيمة صدام على يد التحالف الدولي عام 1991 توقع الكثيرون أن يُقدم صدام على الإنتحار أو أنه يذهب إلى المنفى أو أن يعمد على الأقل إلى الإستقالة وأن يترك في الحكم نسيبا أو تابعا له ، غير أن صدام قام بدلا من ذلك بلوم الغير على الهزيمة وأنكر أية مسؤولية شخصية وتمسك بالسلطة وواصل تحديه بوجه الحظر الدولي المتشدد الذي جعل من بلاده رهينة
ويستهل الدكتور ماجد الكيلاني أستاذ علم النفس في جامعة الإمارات قراءة شخصية الرئيس العراقي بالتأكيد على استحالة إقدام صدام على التنحي لأن العقل لديه يدور في فلك القوة والسلطة وليس في فلك المعرفة ، ولأنه يربط المجتمع بقوانين القوة والسيطرة فقط ، لذلك فالقانون الذي يحكم حياته هو البقاء للأقوى وأن الأكثر قوة هو الأكثر فهما
وبيَّن الدكتور الكيلاني أن السمات الديكتاتورية تسود في هذه الحالة غالبا مع نقص القدرات الفكرية التي تدفع الشخص للإنغلاق على رأيه وعدم الثقة بقدرات الآخرين ، ومع سيادة نمط مثل هذه الشخصية في مجتمع فإنه سرعان ما يتحول لمجتمع من القطيع الذي تحكمه علاقة التابع والمتبوع دون إعمال للفكر أو المعارضة ، وبدون إعمال الفكر لا يمكن لفرد أن يصل لمرحلة النضج التي تتمثل في أربعة أنواع هي النضج العقلي وهو القدرة على الوعي بالأمور وتدبيرها والنضج الإجتماعي ويعني القدرة على التفاعل مع الآخرين والنضج الإنفعالي ويعني حركة الإرادة الإنسانية التي تحقق رقي النوع البشري وأخيرا النضج الجسدي الذي يؤدي إلى الإنجاب
وتربية الإنسان تقوم على تنمية القدرات الثقافية والفكرية لديه وعندما تتم تربية الإنسان يمر بثلاثة مستويات من النضج هي : الإعتماد على الآخرين وتميزها مرحلة الطفولة ، والمستوى الثاني هو الإقتباس من الآخرين والإحتكام لمعاييرهم وهذا النوع من مستويات النضج يتسم بالإرتجالية وردود الفعل السريعة ويقف العقل عن التخطيط ولكن إذا أحسنَّا تربية الإنسان لخرجنا به من مرحلة الإقتباس إلى الإستقلال المتعاون وهو المستوى الثالث من النضج
بينما هذا النمط الثاني هو النضج الناقص يرى الأمور بمنطق الأبيض والأسود وتتسم أفعال الفرد في هذه المرحلة بأقصى درجات الإستعداد للعنف واستخدام القوة ، والمستوى الثالث هو الإستقلال موثقا بالتعاون مع الآخرين ، ولا يتم الوصول لهذا المستوى إلا بتربية القدرات الفكرية والثقافية ، ومحور هذا المستوى من النضج هو نحن لا أنا أي أن الفرد فيها يؤمن بالعمل الجماعي