الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وسار على نهجه إلى يوم الدين أما بعد : فهذه مجموعة من الأخطاء التي يقع فيها المصلين – عفا الله عنا وعنهم – في التسبيح بعد الصلاة المكتوبة :
1. الانصراف قبل التّسبيح والتهليل:
التسبيح والتكبير عقب الصلوات مستحب ، ليس بواجب ، ومن أراد أن يقوم قبل ذلك ، فله ذلك ، ولكن الأفضل الإتيان بالوارد عنه r ، وخصوصاً أن الثابت عنه ـ أحيانا ـ أنه كان يسبح عشراً ، ويحمد عشراً ، ويكبر عشراً ، وكان يقول كل واحدة ـ أحياناً أُخرى ـ إحدى عشر مرّة(1) وأحياناً كل واحدة ثلاثاً وثلاثين فعلى المسلم أن يحرص على التنويع في ذلك .
فعندما يتعرض المسلم لظرفٍ طارىء ، يشغله عن تمام التّسبيح ، فلْيأت بعشر تسبيحات ، ومثلها من التحميدات و التكبيرات ، ويكون بذلك قد أصاب عين السنّة ، ولم ينشغل عما أصابه.
واعلم ـ علمني الله وإياك ـ أن تنوع الأذكار من نعمة الله سبحانه على الإنسان ، ذلك لأنه يحصل له بها عدّة فوائد ، منها : أن تنوّع العبادات يؤدّي إلى استحضار الإنسان ما يقول من الذّكر ، فإن الإنسان إذا دام على ذكر واحداً ، صار يأتي به ـ كما يقولون آليّاً ـ بدون أن يحضر قلبه ، فإذا تعمد وتقصد تنويعها ، فإنه بذلك يحصل له حضور القلب ، ومنها : أن الإنسان يختار الأيسر منها ، فالأيسر لسبب من الأسباب ، فيكون بذلك تسهيلاً عليه ، ومنها : أن في كل جزء ما ليس في الآخر ، فيكون بذلك زيادة ثناء على الله عز وجل .
والحاصل : أن بعض الأذكار الواردة بعد الصلوات متنوّعة ، فبأيّ واحد منها أتى فقد أحسن ، والأفضل أن يأتي بهذا مرة ، وبهذا مرة .
فإن أبى إلا الخروج ، فلا ينبغي أن ينصرف قبل انتقال الإمام عن القبلة .
(1) أنظر : ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) : (22/494) و ((فتح الباري)) : (2/329) .
قال شيخ الإسلام : ((ينبغي للمأموم ، أن لا يقوم حتى ينصرف الإمام ، أي ينتقل عن القبلة ، ولا ينبغي للإمام أن يقعد بعد السلام مستقبل القبلة ، إلا مقدار ما يستغفر ثلاثاً ، ويقول : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الإجلال و الإِكرام .
وإذا انتقل الإمام ، فمن أراد أن يقوم قام ، ومَنْ أحبّ أن يقعد يذكر الله فعل))(2) .
ودليل ذلك : ما رواه مسلم في ((الصحيح)) من حديث أنس رضي الله عنه رفعه : (أيها الناس إني إمامكم ، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف)(3) .
(2) أنظر : ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) : (22/505) و ((تمام المنّة)) : (ص 280 ـ 281) .
(3) أخرجه مسلم في ((الصحيح)) : رقم (426) . وقيل : المراد بالانصراف السلام .
وترجم عليه ابن خزيمة في ((صحيحه)) : (3/107) رقم (1716) ما يدل على صحة استدلالنا به في هذا الموطن ، فقال : ((باب الزّجر عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصّلاة)) .
وانظر : ((نيل الأوطار)) : (3/173ـ174) ففيه تصريح بأن المراد بالانصراف: انصرف المأموم قبل الإمام
. الإنشغال بالدعاء عن الذكر مع أن الدعاء محله قبل التسليم :
إن قعد يذكر الله تعالى ، فعليه بالاكتفاء بالمأثور ، فالأحاديث المعروفة في
الصحاح والسنن والمسانيد ، تدل على أن النبي r ، كان يدعو دبر صلاته أي قبل الخروج منها ، وكان يأمر أصحابه بذلك ، ويعلّهم ذلك .
ولا يخفى أن الدّعاء مباشرة بعد الانصراف من الصلاة ، من مناجاة الله وخطابه ، غير مناسب ، ولهذا فإن دعاءه r كان في صلب الصّلاة ، وإن المصلّي يناجي ربه ، فإذا دعا حال مناجاته له ، كان مناسباً(4) .
قال الشيخ ابن باز : ((لم يصح عن النبي r ، أنه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة ، ولم يصح ذلك أيضاً عن أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ فيما نعلم ، وما يفعله بعض الناس من رفع أيديهم بعد صلاة الفريضة بدعة لا أصل لها))(5).
.التسبيح بالمسبحة ونحوها وترك التهليل والتسبيح بالأنامل :
كان r يعقد التسبيح والتهليل بالأنامل .
قال عبد الله بن عمرو : ((رأيت رسول الله r يعقد التسبيح بيمينه))(6).
فالتسبيح باليمين أفضل من التسبيح بالشمال وباليدين معاً ، عملاً بهذا الحديث الصحيح ، وهو أفضل من التسبيح بالسّبحة أيضاً ، بل التسبيح بها مخالف لأمره r حيث قال لبعض النّسوة : ((عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ، ولا تغفلن ، فتنسين التوحيد ـ وفي رواية : والرحمة ـ واعقدن في الأنامل ، فإنهن مسؤولات ومستنطقات))(7).
قال الشيخ ابن باز مجيباً على سؤال في حكم التسبيح بالمسبحة : ((تركها أولى ، وقد كرهها بعض أهل العلم ، والأفضل التسبيح بالأصابع ، كما كان يفعل ذلك النبي r))(8)
قلت : لاسيما بعد الصّلاة ، فقد جاء الأمر بعقد الأنامل ، وأنهن مسؤولات ومستنطقات .
قال الشيخ الألباني : (( ولو لم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة ، وهي أنها قضت على سنّة العدّ بالأصابع ، أو كادت ، مع اتفاقهم على أنها أفضل ، لكفى !!))(9).
للموضوع بقية تنشر لاحقاً بمشيئة الله تعالى
(6) أخرجه أبو داود في ((السنن)) : رقم (1502) والترمذي في ((الجامع)) : رقم (3486) والحاكم في ((المستدرك)) : (1/547) و البيهقي في ((السنن الكبرى)) : (2/253) وإسناده صحيح ، وصححه الذهبي ، وحسنه الترمذي .
(7) أخرجه أبو داود في ((السنن)) رقم (1501) وغيره ، وصححه الحاكم والذهبي وحسنه النووي والعسقلاني . وله شاهد عن عائشة موقوف ، قاله الألباني في ((الضعيفة)) : (1/112) .
(8) الفتاوى : (1/76) .
(9) سلسلة الأحاديث الضعيفة : (1/117) وأسهب الشيخ الألباني حفظه الله تعالى في بيان بدعية السبحة ، فَقِف على كلامه .
__________________