العمل الأول: الحكم بغير ما أنزل الله.
من الأعمال التي تخرج صاحبها من الملة الحكم بغير ما أنزل الله .. ولكن هل مطلق الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر مخرج عن الملة .. أم أن في المسألة تفصيل ؟
أقول: الراجح الذي دلت عليه نصوص الشريعة أن في المسألة تفصيل، وتفصيلها: أن من الحكم بغير ما أنزل الله ما يكون معصية وكفراً أصغر، وصاحبه يكون عاصياً مرتكباً لكبيرة عظيمة إلا أنه لا يكفر، ومنه ما يكون كفراً أكبر يُخرج صاحبه من الملة .
وإليك الآن صفة كل منهما، وأقوال أهل العلم في كل من الصنفين:
1- الصنف الأول الذي لا يكفر: وهو الحاكم الذي يحكم بما أنزل الله، لكنه في مسألة أو بعض المسائل يحكم فيها بغير ما أنزل الله، لهوى أو نزوة أو غضب، أو شهوة، مع اعترافه بظلمه وخطأه وأنه مرتكب لذنب عظيم.
وقولنا: أنه يجب أن يعترف ويعتقد أنه مخطئ ومذنب ومسيء فيما أقدم عليه من الحكم بغير ما أنزل الله من لوازمه أن لا يكون مستحلاً ولا مستحسناً، ولا مزيناً لما حكم فيه بغير ما أنزل الله .. ولا جاحداً ولا مكذباً للحكم الشرعي الذي خالفه .. بل شأنه فيما أقدم عليه من فعل شأن من يرتكب أمراً مشيناً كالسرقة أو الزنى أو الكذب فيحمله ذلك على الاستحياء من الناس لشعوره بأنه ارتكب عيباً لا ينبغي لمؤمن أن يقع فيه، أو يعرفه عنه الناس ..!
الحاكم بهذا الوصف المتقدم وإن وقع في جرم الحكم بغير ما أنزل الله إلا أنه لا يكفر كفراً أكبر، وفعله لا يرقى إلى درجة الكفر الأكبر .. وعليه وعلى أمثاله ينبغي أن يحمل كلام ابن عباس وغيره من أهل العلم بأنه كفر دون كفر .. وأنه ليس بالكفر الأكبر الذي تذهبون إليه.
أخرج الحاكم في المستدرك بسند صحيح عن ابن عباس قال: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه؛ إنه ليس كفراً ينقل عن الملة ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون كفر دون كفر.
وقال: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون هي به كفر؛ وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وأخرج الطبري في التفسير عن عطاء بن أبي رباح: قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .. قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم.
وعن طاوس: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال: ليس بكفرٍ ينقل عن الملة.
قال ابن القيم: الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين؛ الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر.
وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه، مع تيقنه حكم الله، هذا كفر أكبر(1).
تأمل قوله:" في هذه الواقعة " الذي يفيد عدول الحاكم عن الحكم بما أنزل الله في حادثة معينة وليس في مطلق الحوادث والأحوال؛ بحيث يكون ترك ــــــــــــــــ
(1) بدائع التفسير:2/112.
الحكم بما أنزل الله صفة لازمة له على مدار الساعة، فهو ـ رحمه الله ـ لم يفترض في الحاكم مطلق الترك للشريعة والحكم بما أنزل الله ـ كما يصرح بذلك بعض المعاصرين ـ ثم بعد ذلك يقول عنه وعن فعله: كفر أصغر .. وكفر دون كفر !
ثم لنعيد قراءة كلام ابن القيم رحمه الله، حيث نجده قد قيد الحاكم الذي حمل عليه الكفر الأصغر، وكفر دون كفر بقيود ثقال: منها أنه يحكم بما أنزل الله في مجموع حياته وشؤون حكمه، وهو الأصل عنده ..!
ومنها: أن عدوله عن الحكم بما أنزل الله كان في حادثة معينة ـ أو لنقل في حوادث معينة معدودة ـ ولم يكن ذلك صفة لازمة له في جميع شؤون حكمه وسياسته ..!
ومنها: أن يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله .. ويعتقد حبه .. وأفضليته وأنه ليس كمثله حكم من أحكام البشر ..!
ومنها: أن يعتقد ويقر ظاهراً وباطناً أنه بفعله هذا قد اقترف معصية وذنباً قبيحاً يستحق صاحبه العقاب والإنكار .. شأنه شأن شعور السارق حين يسرق، والزاني حين يزني ..!
ومنها: وهذا من لوازم ما تقدم أن لا يحسن حكمه، أو يعتقد حله، إلى درجة أن يباهي به أو يفرضه على العباد والبلاد كقانون دائم ولازم على مدار الوقت ..!
فهذا كله يستفاد من كلام ابن القيم رحمه الله .. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل هكذا هم طواغيت الحكم في هذا العصر .. حتى يُحمل عليهم: كفر أصغر، وكفر دون كفر .. ويحصل عليهم هذا الجدال الواسع الأطراف
والمقاصد الذي فرق المسلمين إلى فرق ومذاهب .. وأضحك عليهم الأعداء وبخاصة منهم طواغيت الحكم ؟!!
هذا سؤال ندعه للقارئ المنصف أن يتأمله ويتأمل الجواب السهل عليه، لننتقل به إلى بقية أقوال أهل العلم الآخرين .
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصيةً كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً مجازياً وإما كفر أصغر .. وذلك بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهو كفر أكبر.
وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاصٍ، ويسمى كافراً كفراً مجازياً أو كفر أصغر ا- هـ.
قلت: وهو نفس كلام ابن القيم المتقدم، ويستفاد منه ما استفدناه من كلام ابن القيم المتقدم، ولا فرق .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالته القيمة تحكيم القوانين: وأما القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله، وهو الذي لا يخرج من الملة .. فقد تقدم تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقول الله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون قد شمل ذلك القسم، وذلك في قوله في الآية: كفر دون كفر .. ليس بالكفر الذي تذهبون إليه.
وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله، مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة
الهدى ا- هـ.
فتأمل قوله :" في القضية " ولم يقل في قضايا الحكم أو في مجموع الحكم الذي يفيد ترك مجموع الحكم بما أنزل الله .. لم يقل الشيخ ذلك ـ ولا غيره من أهل العلم ـ لأنه لم يكن يتصور من حاكم يعدل عن حكم الله ويحكم في جميع شؤون الحياة والعباد بغير ما أنزل الله وعلى مدار الوقت .. ثم هو يحمل عليه مقولة ابن عباس: كفر دون كفر، وكفر أصغر ..!
وكلام الشيخ الآنف الذكر جاء في معرض تفسير كلام ومراد ابن عباس في قوله: كفر دون كفر .. أو كفر أصغر، كما يدل عليه سياق كلامه:" وذلك أن تحمله شهوته .." الذي جاء مباشرة بعد كلام ابن عباس؛ أي مراد ابن عباس من الحاكم الذي لا يكفر، ويكون كفره كفر دون كفر، هو الحاكم الذي تحمله شهوته وهواه .. الخ.
ـ تنبيه: من لوازم فهم وفقه عبارات السلف واطلاقاتهم أن نعرف الظروف المحيطة بهم التي حملتهم على هذه الاطلاقات والكلمات .. وأن نعرف مرادهم وقصدهم من تلك العبارات، ومن المراد منها.
فمقولة ابن عباس " كفر دون كفر " لما أخرجت عن زمانها ومحيطها وظروفها التي قيلت فيها .. ضل الناس في فهم هذه المقولة، وفهم مراد صاحبها وحملوها من المعاني السقيمة مالا تحتمل، وأنزلوها في غير منزلها الصحيح التي يريدها لها ابن عباس ..!
بل لم أجد مقولة وعبارة لسلفنا الصالح ـ رضي الله عنهم ـ ظلمت وفهمت خطأ، وحُملت من المعاني مالا تحتمله كمقولة وعبارة ابن عباس " كفر دون كفر " حيث لم يتورع القوم من أن يحملوا هذه المقولة على فراعنة وطواغيت اجتمعت فيهم جميع خصال الكفر، ونواقض الإيمان .. ولو سألتهم عن سبب فعلهم الشنيع هذا .. لقالوا لك من فورهم: قال ابن عباس " كفر دون كفر .. ليس بالكفر الذي تذهبون إليه " .. فهي كلمة حق لكنهم أرادوا بها باطلاً .. ونصرة الباطل !!
قالها ابن عباس في المؤمنين المعاصرين له .. فحملوها هؤلاء على الكافرين المارقين المجرمين ..!
=-=-=-=-=-=-=-=--=-=-=
يتبع
من الأعمال التي تخرج صاحبها من الملة الحكم بغير ما أنزل الله .. ولكن هل مطلق الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر مخرج عن الملة .. أم أن في المسألة تفصيل ؟
أقول: الراجح الذي دلت عليه نصوص الشريعة أن في المسألة تفصيل، وتفصيلها: أن من الحكم بغير ما أنزل الله ما يكون معصية وكفراً أصغر، وصاحبه يكون عاصياً مرتكباً لكبيرة عظيمة إلا أنه لا يكفر، ومنه ما يكون كفراً أكبر يُخرج صاحبه من الملة .
وإليك الآن صفة كل منهما، وأقوال أهل العلم في كل من الصنفين:
1- الصنف الأول الذي لا يكفر: وهو الحاكم الذي يحكم بما أنزل الله، لكنه في مسألة أو بعض المسائل يحكم فيها بغير ما أنزل الله، لهوى أو نزوة أو غضب، أو شهوة، مع اعترافه بظلمه وخطأه وأنه مرتكب لذنب عظيم.
وقولنا: أنه يجب أن يعترف ويعتقد أنه مخطئ ومذنب ومسيء فيما أقدم عليه من الحكم بغير ما أنزل الله من لوازمه أن لا يكون مستحلاً ولا مستحسناً، ولا مزيناً لما حكم فيه بغير ما أنزل الله .. ولا جاحداً ولا مكذباً للحكم الشرعي الذي خالفه .. بل شأنه فيما أقدم عليه من فعل شأن من يرتكب أمراً مشيناً كالسرقة أو الزنى أو الكذب فيحمله ذلك على الاستحياء من الناس لشعوره بأنه ارتكب عيباً لا ينبغي لمؤمن أن يقع فيه، أو يعرفه عنه الناس ..!
الحاكم بهذا الوصف المتقدم وإن وقع في جرم الحكم بغير ما أنزل الله إلا أنه لا يكفر كفراً أكبر، وفعله لا يرقى إلى درجة الكفر الأكبر .. وعليه وعلى أمثاله ينبغي أن يحمل كلام ابن عباس وغيره من أهل العلم بأنه كفر دون كفر .. وأنه ليس بالكفر الأكبر الذي تذهبون إليه.
أخرج الحاكم في المستدرك بسند صحيح عن ابن عباس قال: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه؛ إنه ليس كفراً ينقل عن الملة ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون كفر دون كفر.
وقال: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون هي به كفر؛ وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وأخرج الطبري في التفسير عن عطاء بن أبي رباح: قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .. قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم.
وعن طاوس: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال: ليس بكفرٍ ينقل عن الملة.
قال ابن القيم: الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين؛ الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر.
وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه، مع تيقنه حكم الله، هذا كفر أكبر(1).
تأمل قوله:" في هذه الواقعة " الذي يفيد عدول الحاكم عن الحكم بما أنزل الله في حادثة معينة وليس في مطلق الحوادث والأحوال؛ بحيث يكون ترك ــــــــــــــــ
(1) بدائع التفسير:2/112.
الحكم بما أنزل الله صفة لازمة له على مدار الساعة، فهو ـ رحمه الله ـ لم يفترض في الحاكم مطلق الترك للشريعة والحكم بما أنزل الله ـ كما يصرح بذلك بعض المعاصرين ـ ثم بعد ذلك يقول عنه وعن فعله: كفر أصغر .. وكفر دون كفر !
ثم لنعيد قراءة كلام ابن القيم رحمه الله، حيث نجده قد قيد الحاكم الذي حمل عليه الكفر الأصغر، وكفر دون كفر بقيود ثقال: منها أنه يحكم بما أنزل الله في مجموع حياته وشؤون حكمه، وهو الأصل عنده ..!
ومنها: أن عدوله عن الحكم بما أنزل الله كان في حادثة معينة ـ أو لنقل في حوادث معينة معدودة ـ ولم يكن ذلك صفة لازمة له في جميع شؤون حكمه وسياسته ..!
ومنها: أن يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله .. ويعتقد حبه .. وأفضليته وأنه ليس كمثله حكم من أحكام البشر ..!
ومنها: أن يعتقد ويقر ظاهراً وباطناً أنه بفعله هذا قد اقترف معصية وذنباً قبيحاً يستحق صاحبه العقاب والإنكار .. شأنه شأن شعور السارق حين يسرق، والزاني حين يزني ..!
ومنها: وهذا من لوازم ما تقدم أن لا يحسن حكمه، أو يعتقد حله، إلى درجة أن يباهي به أو يفرضه على العباد والبلاد كقانون دائم ولازم على مدار الوقت ..!
فهذا كله يستفاد من كلام ابن القيم رحمه الله .. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل هكذا هم طواغيت الحكم في هذا العصر .. حتى يُحمل عليهم: كفر أصغر، وكفر دون كفر .. ويحصل عليهم هذا الجدال الواسع الأطراف
والمقاصد الذي فرق المسلمين إلى فرق ومذاهب .. وأضحك عليهم الأعداء وبخاصة منهم طواغيت الحكم ؟!!
هذا سؤال ندعه للقارئ المنصف أن يتأمله ويتأمل الجواب السهل عليه، لننتقل به إلى بقية أقوال أهل العلم الآخرين .
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصيةً كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً مجازياً وإما كفر أصغر .. وذلك بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهو كفر أكبر.
وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاصٍ، ويسمى كافراً كفراً مجازياً أو كفر أصغر ا- هـ.
قلت: وهو نفس كلام ابن القيم المتقدم، ويستفاد منه ما استفدناه من كلام ابن القيم المتقدم، ولا فرق .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالته القيمة تحكيم القوانين: وأما القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله، وهو الذي لا يخرج من الملة .. فقد تقدم تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقول الله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون قد شمل ذلك القسم، وذلك في قوله في الآية: كفر دون كفر .. ليس بالكفر الذي تذهبون إليه.
وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله، مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة
الهدى ا- هـ.
فتأمل قوله :" في القضية " ولم يقل في قضايا الحكم أو في مجموع الحكم الذي يفيد ترك مجموع الحكم بما أنزل الله .. لم يقل الشيخ ذلك ـ ولا غيره من أهل العلم ـ لأنه لم يكن يتصور من حاكم يعدل عن حكم الله ويحكم في جميع شؤون الحياة والعباد بغير ما أنزل الله وعلى مدار الوقت .. ثم هو يحمل عليه مقولة ابن عباس: كفر دون كفر، وكفر أصغر ..!
وكلام الشيخ الآنف الذكر جاء في معرض تفسير كلام ومراد ابن عباس في قوله: كفر دون كفر .. أو كفر أصغر، كما يدل عليه سياق كلامه:" وذلك أن تحمله شهوته .." الذي جاء مباشرة بعد كلام ابن عباس؛ أي مراد ابن عباس من الحاكم الذي لا يكفر، ويكون كفره كفر دون كفر، هو الحاكم الذي تحمله شهوته وهواه .. الخ.
ـ تنبيه: من لوازم فهم وفقه عبارات السلف واطلاقاتهم أن نعرف الظروف المحيطة بهم التي حملتهم على هذه الاطلاقات والكلمات .. وأن نعرف مرادهم وقصدهم من تلك العبارات، ومن المراد منها.
فمقولة ابن عباس " كفر دون كفر " لما أخرجت عن زمانها ومحيطها وظروفها التي قيلت فيها .. ضل الناس في فهم هذه المقولة، وفهم مراد صاحبها وحملوها من المعاني السقيمة مالا تحتمل، وأنزلوها في غير منزلها الصحيح التي يريدها لها ابن عباس ..!
بل لم أجد مقولة وعبارة لسلفنا الصالح ـ رضي الله عنهم ـ ظلمت وفهمت خطأ، وحُملت من المعاني مالا تحتمله كمقولة وعبارة ابن عباس " كفر دون كفر " حيث لم يتورع القوم من أن يحملوا هذه المقولة على فراعنة وطواغيت اجتمعت فيهم جميع خصال الكفر، ونواقض الإيمان .. ولو سألتهم عن سبب فعلهم الشنيع هذا .. لقالوا لك من فورهم: قال ابن عباس " كفر دون كفر .. ليس بالكفر الذي تذهبون إليه " .. فهي كلمة حق لكنهم أرادوا بها باطلاً .. ونصرة الباطل !!
قالها ابن عباس في المؤمنين المعاصرين له .. فحملوها هؤلاء على الكافرين المارقين المجرمين ..!
=-=-=-=-=-=-=-=--=-=-=
يتبع