تميم
๑ . . عضو محترف . . ๑
- التسجيل
- 25 فبراير 2007
- رقم العضوية
- 6400
- المشاركات
- 647
- مستوى التفاعل
- 3
- الجنس
- الإقامة
- الدوحه=قطر العزيزه
الرجل الذي ولد في قارورة عطر
اجتذب الشاعر نزار قباني أفواجاً عارمة من الناس, ومن اعمار متفاوتة, جيلا بعد جيل,
حتى ذاب شعره في مشاعرهم, بصورة عفوية, فأصبح هذا التراث الشعري من الذوق العام, وكلما تعتق هذا الشعر ازداد وسامة, فراحت الشفاه الحالمة تردده بشغف للآذان الظامئة للاستماع للكلمة الحلوة.. وللصور الشعرية الجديدة, التي قد تبدو عفوية للوهلة الاولى, لكن المتعمق في دراسة اسلوبه الشعري يكتشف ان الصناعة الشعرية المنسوجة بمهارة فنية عالية, لم تغب عن قصائده,فصار شعره يقرؤه ويفهمه ويستمتع به الناس مهما كان تحصيلهم التعليمي ومواقعهم الاجتماعية:
أنا لست اشبه إلا انا فلست الفرزدق
لست جريراً..
ولست الشريف الرضي
ولست مهرج اي نظام ..
ولست جوادا مطيعا يباع بسوق عكاظ
وماذا من الشعراء سيبقى?
اذا ما تخلوا عن الكبرياء?
ولا غرابة في هذه الشعبية الهائلة التي حظي بها ومردها ان شاعرنا الراحل ابتكر ما سماه ( لغة ثالثة) تأخذ من اللغة الفصحى وقارها ورصانتها, ومن اللغة المحكية حرارتها وشجاعتها ونضارتها, واقتحامها المباغت حرفية القاموس وصرامته. وفي هذا الشأن يقول نزار قباني:
(إن اللغة الثالثة تحاول ان تجعل القاموس في خدمة الحياة والانسان, وتبذل ما بوسعها لتجعل درس اللغة العربية في مدارسنا مكان نزهة, لا ساحة تعذيب, تحاول ان تعيد الثقة المفقودة بين كلامنا الملفوظ وكلامنا المكتوب, وتنهي حالة التناقض بين اصواتنا وحناجرنا, وبكلمة واحدة, رفعت الكلفة بيني وبين لغة ( لسان العرب) و(محيط المحيط) واقنعتها ان تجلس مع الناس في المقاهي, والحدائق العامة, وتتصادق مع الاطفال والتلاميذ والعمال والفلاحين , وتقرأ الصحف اليومية, حتى لا تنسى الكلام) :
حين احببتك..
صارت ضحكة الاطفال في العالم احلى..
ومذاق الخبز أحلى..
وسقوط الثلج أحلى..
ومواء القطط السوداء في الشارع أحلى..
ومما يسترعي الانتباه ..ان شاعرنا الراحل كان غزير الانتاج, في غير هذيان او ثرثرة لغوية, يفاجئك دون سابق انذار , كالعاصفة, في كل قصيدة غزلية او سياسية بجديد مبتكر. يقول الدكتور منير العجلاني مخاطبا شاعرنا الراحل في مقدمة ديوانه ( قالت لي السمراء) ما معناه : ( انما انت شيء جديد في عالمنا ومخلوق غريب وكأني أجد في طبيعتك الشاعرة روائح بودلير وفرلين , والبير سامان, كما انك تأثرت بشعر الشعراء اللبنانيين المحدثين).
هذا الرأي الحصيف لمنير العجلاني, الذي اكتشف موهبة نزار قباني في بداياته, يؤكده شاعرنا في كتابه النثري ( قصتي مع الشعر ) .
قائلا ما لفظه:
( كنت اقرأ بانبهار اعمال الشعراء اللبنانيين كبشارة الخوري,وأمين نخلة, والياس ابي شبكة, وسعيد عقل, وميشال طراد, وأجد في حروفهم رائحة طازجة لا عهد لي بها من قبل.. كأن هؤلاء يتكلمون لغة اخرى.. ويكتبون بحبر آخر. . انني حين اتحدث عن هذه الابجدية الشامية فإنما اتحدث عن واقع لغوي, ووجودي وحضاري ونفسي جعل للشعر في هذه المنطقة من البحر الابيض المتوسط خصائص ومواصفات لا نجدها في شعر المناطق العربية الاخرى:
من يقرؤون قصائدي
يوما.. سيقطر من اصابعهم ..
وفوق ثيابهم توت الشام
مازلت اخترع البلاد..ولا بلاد
ما زلت ابحث عن عصافيري
وأشيائي وركوة قهوتي
ما زلت ابحث عن عباءة والدي تحت الرماد..
يتفرد نزار قباني بين شعراء مدرسة الحداثة, بأنه الشاعر العربي الوحيد الذي خصص معظم تراثه الشعري, لموضوع الحب والعشق والهيام, ومعاناة المرأة الشرقية وهمومها الصغيرة والكبيرة, في حين تبدو حداثتنا الشعرية, على حد تعبير الدكتور فيصل دراج, وكأنها حداثة بلا حب, كما يبدو في معظم شعرنا المعاصر, واقعا في اسر الايديولوجيا والعقائد السياسية الوطنية والمستوردة:
دعيني اصب لك الشاي,
انت خرافية الحسن هذا الصباح,
وصوتك نقش جميل على ثوب مراكشيه
أأعجبك الشاي?
هل ترغبين ببعض الحليب?
وهل تكتفين - كما كنت دوماً- بقطعة سكر?
وأما أنا فأفضل وجهك من غير سكر ..
بقي ان نذكر .. بأن تجربة نزار قباني الشعرية, لازمتها في علاقة تناظرية لا انفصام فيها, حساسية غنائية شجية ومتميزة, وضعتها بين القصائد الغنائية العربية في الصدارة, وتتميز هذه الحساسية بأنها ألق الشعر وعطره , الذي يمنح هذه القصائد الخلود والذيوع بين محبي الشعر الاصيل الذي يعبر بصراحة وبراءة عن هواجس النفس الانسانية دون تعقيدات لفظية وعقد نفسية.
اجتذب الشاعر نزار قباني أفواجاً عارمة من الناس, ومن اعمار متفاوتة, جيلا بعد جيل,
حتى ذاب شعره في مشاعرهم, بصورة عفوية, فأصبح هذا التراث الشعري من الذوق العام, وكلما تعتق هذا الشعر ازداد وسامة, فراحت الشفاه الحالمة تردده بشغف للآذان الظامئة للاستماع للكلمة الحلوة.. وللصور الشعرية الجديدة, التي قد تبدو عفوية للوهلة الاولى, لكن المتعمق في دراسة اسلوبه الشعري يكتشف ان الصناعة الشعرية المنسوجة بمهارة فنية عالية, لم تغب عن قصائده,فصار شعره يقرؤه ويفهمه ويستمتع به الناس مهما كان تحصيلهم التعليمي ومواقعهم الاجتماعية:
أنا لست اشبه إلا انا فلست الفرزدق
لست جريراً..
ولست الشريف الرضي
ولست مهرج اي نظام ..
ولست جوادا مطيعا يباع بسوق عكاظ
وماذا من الشعراء سيبقى?
اذا ما تخلوا عن الكبرياء?
ولا غرابة في هذه الشعبية الهائلة التي حظي بها ومردها ان شاعرنا الراحل ابتكر ما سماه ( لغة ثالثة) تأخذ من اللغة الفصحى وقارها ورصانتها, ومن اللغة المحكية حرارتها وشجاعتها ونضارتها, واقتحامها المباغت حرفية القاموس وصرامته. وفي هذا الشأن يقول نزار قباني:
(إن اللغة الثالثة تحاول ان تجعل القاموس في خدمة الحياة والانسان, وتبذل ما بوسعها لتجعل درس اللغة العربية في مدارسنا مكان نزهة, لا ساحة تعذيب, تحاول ان تعيد الثقة المفقودة بين كلامنا الملفوظ وكلامنا المكتوب, وتنهي حالة التناقض بين اصواتنا وحناجرنا, وبكلمة واحدة, رفعت الكلفة بيني وبين لغة ( لسان العرب) و(محيط المحيط) واقنعتها ان تجلس مع الناس في المقاهي, والحدائق العامة, وتتصادق مع الاطفال والتلاميذ والعمال والفلاحين , وتقرأ الصحف اليومية, حتى لا تنسى الكلام) :
حين احببتك..
صارت ضحكة الاطفال في العالم احلى..
ومذاق الخبز أحلى..
وسقوط الثلج أحلى..
ومواء القطط السوداء في الشارع أحلى..
ومما يسترعي الانتباه ..ان شاعرنا الراحل كان غزير الانتاج, في غير هذيان او ثرثرة لغوية, يفاجئك دون سابق انذار , كالعاصفة, في كل قصيدة غزلية او سياسية بجديد مبتكر. يقول الدكتور منير العجلاني مخاطبا شاعرنا الراحل في مقدمة ديوانه ( قالت لي السمراء) ما معناه : ( انما انت شيء جديد في عالمنا ومخلوق غريب وكأني أجد في طبيعتك الشاعرة روائح بودلير وفرلين , والبير سامان, كما انك تأثرت بشعر الشعراء اللبنانيين المحدثين).
هذا الرأي الحصيف لمنير العجلاني, الذي اكتشف موهبة نزار قباني في بداياته, يؤكده شاعرنا في كتابه النثري ( قصتي مع الشعر ) .
قائلا ما لفظه:
( كنت اقرأ بانبهار اعمال الشعراء اللبنانيين كبشارة الخوري,وأمين نخلة, والياس ابي شبكة, وسعيد عقل, وميشال طراد, وأجد في حروفهم رائحة طازجة لا عهد لي بها من قبل.. كأن هؤلاء يتكلمون لغة اخرى.. ويكتبون بحبر آخر. . انني حين اتحدث عن هذه الابجدية الشامية فإنما اتحدث عن واقع لغوي, ووجودي وحضاري ونفسي جعل للشعر في هذه المنطقة من البحر الابيض المتوسط خصائص ومواصفات لا نجدها في شعر المناطق العربية الاخرى:
من يقرؤون قصائدي
يوما.. سيقطر من اصابعهم ..
وفوق ثيابهم توت الشام
مازلت اخترع البلاد..ولا بلاد
ما زلت ابحث عن عصافيري
وأشيائي وركوة قهوتي
ما زلت ابحث عن عباءة والدي تحت الرماد..
يتفرد نزار قباني بين شعراء مدرسة الحداثة, بأنه الشاعر العربي الوحيد الذي خصص معظم تراثه الشعري, لموضوع الحب والعشق والهيام, ومعاناة المرأة الشرقية وهمومها الصغيرة والكبيرة, في حين تبدو حداثتنا الشعرية, على حد تعبير الدكتور فيصل دراج, وكأنها حداثة بلا حب, كما يبدو في معظم شعرنا المعاصر, واقعا في اسر الايديولوجيا والعقائد السياسية الوطنية والمستوردة:
دعيني اصب لك الشاي,
انت خرافية الحسن هذا الصباح,
وصوتك نقش جميل على ثوب مراكشيه
أأعجبك الشاي?
هل ترغبين ببعض الحليب?
وهل تكتفين - كما كنت دوماً- بقطعة سكر?
وأما أنا فأفضل وجهك من غير سكر ..
بقي ان نذكر .. بأن تجربة نزار قباني الشعرية, لازمتها في علاقة تناظرية لا انفصام فيها, حساسية غنائية شجية ومتميزة, وضعتها بين القصائد الغنائية العربية في الصدارة, وتتميز هذه الحساسية بأنها ألق الشعر وعطره , الذي يمنح هذه القصائد الخلود والذيوع بين محبي الشعر الاصيل الذي يعبر بصراحة وبراءة عن هواجس النفس الانسانية دون تعقيدات لفظية وعقد نفسية.
