سعيد
๑ . . عضو ماسي . . ๑
- إنضم
- 21 يوليو 2006
- المشاركات
- 1,096
- مستوى التفاعل
- 17
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في الصداق في النكاح
الصداق مأخوذ من الصدق ؛ لأنه يشعر برغبة الزوج في الزوجة ، وهو عوض يسمى في عقد النكاح أو بعده .
أما حكمه ، فهو واجب ، ودليله الكتاب والسنة والإجماع .
- قال تعالى : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا .
- ولفعله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يخلي النكاح من صداق ، وقال : التمس ولو خاتما من حديد .
- وأجمع أهل العلم على مشروعيته .
أما مقداره ؛ فلا يتقدر أقله ولا أكثره بحد معين ؛ فكل ما صح أن يكون ثمنا أو أجرة صح أن يكون صداقا ، وإن قل أو كثر ؛ إلا أنه ينبغي الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ، بأن يكون في حدود أربعمائة درهم ، وهي صداق بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - . .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " الصداق المقدم إذا كثر وهو قادر على ذلك لم يكره ؛ إلا أن يقترن بذلك ما يوجب الكراهة من معنى المباهاة ونحو ذلك ، فأما إن كان عاجزا عن ذلك كره ، بل يحرم إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة ، فأما إن كثر وهو مؤخر في ذمته فينبغي أن يكره ؛ لما فيه من تعريض نفسه لشغل الذمة " انتهى كلامه . .
والخلاصة أن كثرة الصداق لا تكره إذا لم تبلغ حد المباهاة والإسراف ، ولم تثقل كاهل الزوج ؛ بحيث تحوجه إلى الاستعانة بغيره عن طريق المسألة ونحوها ، ولم تشغل ذمته بالدين ، وهي ضوابط قيمة تكفل المصلحة وتدفع المضرة .
ويتبين من خلال ما سبق أن ما وصل إليه الناس في قضية المهور من المغالاة الباهظة التي لا يراعى فيها جانب الزوج الفقير ، والتي أصبحت صعبة المرتقى في طريق الزواج ؛ أن هذه المغالاة لا شك في كراهتها أو تحريمها ، خصوصا وأنه يكون إلى جانبها تكاليف أخرى ؛ من شراء الأقمشة الغالية الثمن ، والمصاغات الباهظة ، والحفلات والولائم المشتملة على الإسراف والتبذير ، وإهدار الأطعمة واللحوم في غير مصلحة تعود إلى الزوجين ؛ لا شك أن كل ذلك من الآصار والأغلال والتقاليد السيئة التي يجب محاربتها والقضاء عليها وتنقية طريق الزواج من عراقيلها .
وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - مرفوعا : (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) رواه أحمد والبيهقي والحاكم وغيرهم .
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( ألا لا تغالوا في صدق النساء ، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله ، كان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من نسائه ، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية ، وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه ، وحتى يقول : كلفت فيك علق القربة) أخرجه النسائي وأبو داود .
ومنه تعلم أن كثرة الصداق قد تكون سببا في بغض الزوج لزوجته حينما يتذكر ضخامة صداقها ، ولهذا كان أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة ؛ كما في حديث عائشة ، فتيسير الصداق يسبب البركة في الزوجة ويزرع لها المحبة في قلب الزوج .
والحكمة في مشروعية الصداق أن فيه معاوضة عن الاستمتاع ، وفيه تعزيز لجانب الزوجة وتقدير لمكانتها في حق الزوج .
وتستحب تسميته الصداق ، وتحديده في العقد لقطع النزاع .
ويجوز أن يسمى ويحدد بعد العقد ؛ لقوله تعالى

وأما نوعية الصداق فكما يفهم أن كل ما جاز أن يكون ثمنا في بيع أو أجرة في إجارة وقيمة لشيء جاز أن يكون صداقا ، سواء كان من عين أو دين معجل أو مؤجل أو منفعة معلومة ، وهذا مما يدل على أنه مطلوب تيسير الصداق ، وحسب الظروف والأحوال ، تيسير الزواج الذي يتعلق به مصالح عظيمة للأفراد والمجتمعات .
وهذه بعض المسائل الهامة التي تتعلق بالصداق :
أولا : أن الصداق ملك للمرأة ليس لوليها منه شيء ؛ إلا ما سمحت به له عن طيب نفس ؛ لقوله تعالى : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ ولأبيها خاصة أن يأخذ من صداقها - ولو لم تأذن - ما لا يضرها ولا تحتاج إليه ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : أنت ومالك لأبيك .
ثانيا : يبدأ تملك المرأة لصداقها من العقد كما في البيع ، ويتقرر كاملا بالوطء ، أو الخلوة بها ، وبموت أحدهما .
ثالثا : إذا طلقها قبل الدخول أو الخلوة - وقد سمى لها صداقا - فلها نصفه ؛ لقوله تعالى : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ أي : لكم ولهن ، فاقتضى أن النصف له والنصف لها بمجرد الطلاق ، وأيهما عفا لصاحبه عن نصيبه منه وهو جائز التصرف صح عفوه ؛ لقوله تعالى : إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ثم رغب في العفو ؛ فقال تعالى : وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ أي : لا ينس الزوجان التفضل من كل واحد منهما على الآخر ، ومن جملة ذلك أن تتفضل المرأة بالعفو عن النصف ، أو يتفضل الرجل عليها بإكمال المهر ، وهو إرشاد للرجال والنساء من الأزواج إلى ترك التقصي من بعضهم على بعض ، والمسامحة فيما لأحدهما على الآخر ؛ للوصلة التي قد وقعت بينهما .
رابعا : كل ما قبض بسبب النكاح ككسوة لأبيها أو أخيها فهو من المهر .
خامسا : إذا أصدقها مالا مغصوبا أو محرما صح النكاح ، ووجب لها مهر المثل بدل الصداق المحرم .
سادسا : إذا عقد النكاح ولم يجعل للمرأة مهرا صح النكاح ، ويسمى ذلك بالتفويض ، ويقدر لها مهر المثل ؛ لقوله تعالى : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً أي : أو ما لم تفرضوا لهن فريضة ، ولحديث ابن مسعود في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات ، فقال - رضي الله عنه - : ( لها صداق نسائها ، لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث ) وقال : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -( في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت ) رواه الترمذي وغيره ، وصححه .
وقد يكون التفويض لمقدار المهر معناه أن يزوجها على ما يشاء أحدهما أو أجنبي ، فيصح العقد في هذه الحالة ، ويقدر لها مهر المثل ، والذي يقدر مهر المثل هو الحاكم ، فيقدره بمهر مثلها من نسائها ؛ أي : قرابتها ممن يماثلها ؛ كأمها وخالتها وعمتها ، فيعتبر الحاكم بمن يساويها منهن القربى فالقربى في مال وجمال وعقل وأدب وسن وبكارة وثيوبة ... فإن لم يكن لها أقارب ، ففيمن يشبهها من نساء بلدها .
وإن فارقها قبل الدخول بطلاق فلها المتعة بقدر يسر زوجها وعسره ؛ لقوله تعالى : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ والأمر يقتضي الوجوب ، وأداء الواجب إحسان .
وإن كانت المفارقة بموت أحدهما قبل الدخول تقرر لها مهر المثل ، وورثه الآخر ؛ لأن ترك تسميته الصداق لا يقدح في صحة النكاح ، ولحديث ابن مسعود الذي سبق ذكره .
وإذا حصل الدخول أو الخلوة تقرر لها مهر المثل ؛ لما روى أحمد وغيره من قضاء الخلفاء الراشدين : ( إن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ) . .
وإن حصلت الفرقة من قبلها قبل الدخول فليس لها شيء ؛ كما لو ارتدت أو فسخت النكاح بسبب وجود عيب في الزوج .
سابعا : للمرأة قبل الدخول منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال لأنها لو سلمت نفسها ثم أرادت التراجع حتى تقبضه لم يمكنها ذلك ، فإن كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها ؛ لأنها رضيت بتأخيره ، وكذا لو سلمت نفسها ثم أرادت الامتناع حتى تقبض صداقها فليس لها ذلك .
كتاب الملخص الفقهي
لشيخ العلامه الدكتور / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله