الحياة فرصة ، والفرص ثمينة ، وفواتها لا يعوض ، وانتهازها دليل الحزم ، وعنوان العقل.
ومهما كانت قوة الإنسان العلمية ، ونياته الصالحه -
فلن ينهض بنفسه إلا إذا انتهز الفرص السانحة له -
يقول البارودي :
بادر الفرصةَ واحذر فوتها *** فبلوغُ العزِّ في نيلِ الفرص
فابتدر مسعاك واعلم أن من*** بادر الصيدَ مع الفجرِ قنص
والذي يُلاحظ أم فرصاً كثيرة تطير من بين أيدينا ، دون أن نهتبلها ، فتضيع سدىً ، وتذهب دون رجعة.
والحديث هنا عن معنى من معاني انتهاز الفرص ألا وهو
روح المباردة
فمن الناس من جُبل على امتلاك تلك الخصلة ، فتراه يبادر إلى الإصلاح ، ويحرص على تقديم النافع من الاقترحات ، ويسعى سعيهُ لإيجاد الحلول ، فيكون بذلك سبباً لإسعاد نفسه وقومه.
والتاريخ حافل بأناس من هذا القبيل ممن يمتلكون زمام المبادرة ؛
فمن ذلك ما جاء في الصحيحين أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
يدخل من أمتي زمرة هم سبعون ألفاً ، تضيء وجوهم إضاءةَ القمر ليلة البدر ).قال أبوهريرة : فقام عكاشة بن محصن ، يرفع نمرةً عليه ، فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
اللهم اجعله منهم ".
ثم قام رجل من النصار فقال : يا رسول الله ؟ ادع الله أن يجعلني منهم . فقال له : سبقك بها عكاشة.
انظروا إلى روح المبادرة كيف دفعت عكاشة رضي الله عنه يغتنم الفرصة والتقدم بذلك الطلب الذي حاز به السعادة العظمى بتلك البشارة الكبرى.
وإذا تأملت كثيرا من المشروعات العظيمة أو المؤلفات النافعة وجدت أن وراءها مبادرة صادقة وقعت موقعها من صاحب الشأن ، فكان من جرَّاء ذلك خير كثير .
من أمثلة ذلك ما جاء في سبب تأليف البخاري أعظم وأصح كتاب في الإسلام بعد كتاب الله عزوجل وهو صحيح البخاري؛
فقد ألف الكتاب بسبب مبادرة صادقة كانت هي الباعث الأول لتأليف هذا الكتاب العظيم، ألا وهي ما سمعه البخاري من شيخه إسحاق ابن راهويه ، حيث قال :
لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال البخاري : فو
قع ذلك في قلبي ،
فأخذت في جمع الجامع الصحيح .
فانظرو إلى بركة تلك المبادرة العظيمة التي ما زالت الأمة تجني ثمارها اليانعة.
هذا وإن عصرنا لا يكاد يعرف أحداً يمتلك ناصية هذه الخصلة العظيمة
كما يمتلكها شيخ مشيخنا الإمام العلامة عبدالعزيز ابن باز رحمه الله
فلقد كان سباقاً إلى الخير في شتى الميادين ، ومن سبقه ومسارعته للخير كان يغتنم الفرص والمناسبات فيبادر فيها إلى التوجيه بما يناسب
فمن ذلك :
1- إذا أقبل شهر رمضان وجه كلمة إلى عموم المسلمين يحثهم على اغتنام رمضان بالتوبة النصوح والإقبال على الله بشتى القربات.
2- إذا جاء موسم الحج أعد كلمة أو كلمات ، وفتاوى كثيرة تنشر في وسال الإعلام يبين اهمية هذا الركن العظيم.
3- كان يوجه التهاني إلى الملك والأمراء بالعيد ورمضان .
4- كان إذا صدر مرسوم بتعيين بعض الأمراء أو الوزارء فيبادر بتهئنتهم ونصيحتهم .
5- إذا طلب منه الدخول في إصلاح أمر من الأمور بادر دون تردد.
فهذه جملة يسيرة جداً من الأمثلة على روح المبادرة ، وما تحمله من خير عظيم ، ونفع عظيم.
وهي ترشد الناصح لنفسه ولأمته
أن يكون ذا نفس مبادرة ،
تسعى إلى الخير ،
وتدل عليه بنية صادقة ،
وذوق مرهف ،
واغتنام للفرص.
الداعي لكم بكل خير
إلى رفع روح المباردة واغتنام الفرص
بوخالد الحجاجي