نهيان
๑ . . عضو نشيط . . ๑
بسم الله الرحمن الرحيم
الساحة العربيّـة :
مَن ذا الذي لا يعرف الساحة العربية ؟
لا أدري ، ربما كثيرون لم يسمعوا بها حتى ، خاصة أولئكَ البعيدين عن الكمبيوتر و الإنترنت ، و لكنني لا أبتعد عن الواقع إذا قلت أن واحداً على الأقل من كل اثنين ـ من مستخدمي الإنترنت العرب ـ يعرفون الساحة العربيـّة ، بل كنت أجزم يوماً ، أنه ما من إنسانٍ على أرض البسيطة إلاّ و سمع بالساحة العربيّة ، بل و أحبّها كما أحببتـُها ، و تغزّل فيها كما تغزّلت فيها ، و عاتبها و خاصمها و قاطعها ثم عاد إليها يبثها كوامن نفسه و يناجيها ، و هكذا الحياة بين الأحبّـة ، مدّ و جزر ، لقاء و فراق ، عتاب ثم عِناق …
كانت تلك الساحة ، مرسى لروحي يوماً من الأيام ..
تهفو إليها نفسي هفوي إلى صدر أمي الحنون التي باعدت بيننا المسافات ، و يركنُ إليها فؤادي رُكوني إلى نصائح والدي الذي ما سمعتُ صوته منذ سنوات …
كانت مجتمعاً متكاملاً بحد ذاته ، و لكن دونما حدود أو جواز سفر أو أسلاك شائكة ، فكل إنسانٍ له الحق في أن يصبح مواطناً في الساحة العربيّة …
و لكنّ هذا المجتمع عربي القلب و اللسان ، احتوى الجميل واحتوى القبيح ، وفيه الأسياد و فيه العبيد ، و امتلأ بالأطفال كما امتلأ بالصناديد ، و ترى صيحات الإعجاب ترتفع هنا و هناك في كل مجلس فيه ، كما تسمع الاستنكار و ربما الشتائم و الأحقاد تتردّد في مجالس أخرى ، و لا بأسَ ببعض الغزل البريء و المحبّة و الوداد ، و كيد بعض الحسـّاد …
بمثل هذا الإجلال كانت تنظر عيناي إلى الساحة العربيّة ، و بمثل هذا الكمّ من الفخر كنتُ أفخرُ بكوني مواطناً في الساحة العربية .. .
ففيها وُلِدَ عنتر ، و في مضاربها حطّ رِحاله ، و راحَ يصول و يجول بجواده بين ساحاتها ليل نهار بعنفوان غريب أدهش الكثيرين ، و جعلهم يعترفون أنه فارس الساحات …
و حين كانت ساحة الحوار تستقبل هذه الكلمات :
يترجـّل عن صهوة جواده … يدخل متمهـّلاً … ينظر إلى الحضور … يبتسم ، يُنكِـّسُ رُمحـــه … يرفع يديه إلى السماء : اللـَّهـُمّ بارك هذا المكان ..
عندها كانت آهات الدهشة تحتبس في أفواه الكثيرين ، فهاهو عنتر يشاركهم الحوار الحيّ في الديوانية …
و كم عانت الساحات من كيد الكائدين و حسد الحاسدين ، و لم تسلم يوماً من ضربة سيف أو طعنة خنجر من غادر أثيم ، و كانت صيحات التظلم و الاستعطاف تملأ الأجواء ، و تبقى الساحة العربيّة شامخة الجبين فوق كل هذه الأعاصير و الزوابع ، و يُحاول وزراؤها و مسئولوها كل ما في وسعهم للسيطرة على الوضع متشبّثينَ بدفة السفينة كي لا تجنح إلى مراسيَ مجهولة ، بل دائماً إلى بر الأمان …
و نجحت الساحات في ذلك أيّما نجاح ، و بشهادة أولي الحلم و العلم ، و لكن هيهات أن يكتمل النجاح ، فالكمال لله وحده ، سبحانه و تعالى و إليه الأمور …
فكما الساحة العربيّة نقطة مضيئة تتلألأ في غياهب الإنترنت ، فثمة نقطة سوداء لازالت على جبينها لا تمحوه السنون ..
و شهدت الساحة العربيّة أوّل حادثة قتل عن سابق إصرار و تخطيط و ترصّد لأحد روّادها ، و لكن بلامبالاة تضع إشارات استفهام كبيرة جداً …
• ينشر على صفحات الساحة العربية نبأ بيد أحد أعضائها ، عن إصابة أحد روّادها بثلاثة رصاصات غدر ، و هو طريح المستشفى و يستجدي مَن لديهِ أي معلومات تفيد في كشف أهداف القاتل و إثبات تهمة القتل عليه أمام محكمة مقدونيا ، فتمسح الإدارة هذا النبأ و بلامبالاة !!!
• ثم يتسابق الكثيرون في إنكار حادثة القتل ، و اتهام الضحية بأنها كاذبة و القصة ملفقـة !!!
تلك نقطة سوداء … سوداء …. سوداء .
• فمتى كان مسموحاً تكميم شخص يرثي أخاً له في محنة على فراش الموت ؟؟؟
• بل متى كان مقبولاً أن يحار الرواد في استقصاء أخبار القتيلة ، لأنَّ مجرّد الكلام عنها في ساحتهم ممنوع ؟؟!
باختصار أقول : هذه الحال لا نراها إلاّ في دولة دكتاتور ، أصدرت حكماً بقتل أحد المجرمين ، و منعت الصحافة و وسائل الإعلام بل حتى المواطنين ، من الخوض في موضوع هذا المجرم ، إلاّ بالتجريح و الشماتة و تلفيق الاتهامات …
و هكذا كان …
تحليـــل :
لم أجد في حياتي موضوعاً شائكاً متشابك الأحداث كهذا الموضوع الذي نحن بصدده ، إلاّ في أفلام عملاق السينما العالميّـة هيتشكوك ، فالموضوع تتداخل فيه عوامل لا سبيل إلى حصرها و السيطرة عليها إلاّ بكمٍّ كبير جداً من الرويّة و التأني و الصبر في تفكيك خيوط هذه الحادثة خيطاً خيطاً …
فكافة أبطال هذه الحادثة مجرّد أسماء مستعارة كما في القصص المكتوبة ، و لا شيء ثابت أكيد بالنسبة لي إلاّ شيئين اثنين ، و هما أن حادثة القتل جريمة ماديّة ملموسة بالوثائق و المستندات ، و الثاني أنني شخص ملموس أرى كياني أمام عينيّ ، فيما باقي أبطال هذه القصة سراب ، يستتر خلف سراب …
• و الحق يُقال : إنَّ أغلب الذين عايشوا هذه الحادثة لم يفهموا شيئاً محدّداً حتى الآن ، و لازال هذا الموضوع ضمن إطار التكهنات و الرجم بالغيب …
حتى بالنسبة لي ، إذ لم تكتمل الحلقات المفقودة إلاّ أثناء اعتكافي لكتابة هذه المقالة هذه الأيام …
و غنيّ عن الذكر أن إعادة الخوض في هذا الجريمة المؤسفة التي بدأت تطوراتها منذ أواسط 1998 و انتهت بجريمة القتل في 3 /1 / 1999 ، و محاولة استذكار كل ما جرى فيها لهو في غاية الصعوبة و محفوف بالمخاطر ، و لم يسعفني إلا بعض ما أحتفظ به من أرشيفي الخاص للساحة العربيّة .. و غيرها في فضاء الإنترنت ، على الرغم من فقداني الكثير من هذا الأرشيف خلال العامين المنصرمَينِ …
و بمقدار درجة الغموض و التعتيم و التشويه الذي حف بمجريات الأمور ، بمقدار ما يحتاج الموضوع إلى زيادة في التفصيل و تبسيط الأمور و متابعة سير الأحداث خطوة خطـوة ، و سأحاول جهدي الاختصار بحيث لا يحصل الملل ، و ربما الإشارة إلى عناوين بعض الصفحات لقراءتها بشكل منفصل عبر الإنترنت نظراً لغزارة مادتها و ضرورة الاطلاع عليها لتدعيم الوقائع بالوثائق المتاحة …
البـداية :
الأجواء أجمل ما تكون ، و دفء العلاقات الأخوية و الحميمة يتبادلها رواد الديوانية بشكل يدعو إلى السعادة و الفرح …
فكلما دخل أحدُنـا إلى الديوانية أبريل / نيسان 1998 يجد أسماء تتلألأ لأشخاص ملكوا القلوب بمحبتهم للخير و السمَر و الكلام المُباح ، و كأنما شهرزاد تؤنس وحدة شهريار بأحاديثها و رواياتها الساحرة التي لا تنقطع إلاّ مع بزوغ شمس الصباح ، فتسكت عن الكلام المباح ، و شهريار ينتظر غروب الشمس بشوق غريب كي تعود شهرزاد لمتابعة أحاديثها الشيقة …
أسماء براقة لامعة ، لا تنساها مهما باعدتنا الأيام و الأزمان …
الأنيق … تغريد … الزعابي … دلال … الدكتور … مها … الخيّـال … تهاني … ميغ 29 … بنت الأصول … عنتر … نور … السفير … القطة … بو حَمَد … الهنوف قطر … أبو حمَد … رنده … سُراقة … السفيرَة … ابنُ أبيه … المبرقعة … حسام الإسلام … غالية … سيبويه … زينب … بِـشر … عمرو … الخبير … جابـر … قسوَرَة … و غيرهم و غيرهم كثير …
كل هذه أسماء مستعارة يحملها أشخاص في مختلف الأعمار ، يتناجون كل يوم و يتبادلون الأحاديث و الأخبار فيما بينهم ، و يتساءلون أحياناً بلهفة عن غياب أحدهم عن الحضور فالديوانية كانت بالنسبة لهم جميعاً كأنها مجلس اختياريّ محبوب لابدّ أن يزوره كل منهم يومياً و لو حتى لإلقاء التحية ثم الخروج بعد الاطمئنان على الجميع ..
كان شيئاً في غاية الجمال أن تجد شخصاً في أمريكا يتحدّث مع أخيه في دبيّ ، أو يلتقي بصديقه الموجود في استراليا و ببساطة و كأنهما في غرفة واحدة …
و لا يخلو الأمر أحياناً كثيرة من بعض المنغصات ، كمشاغبات مؤذية " آل ساعدي " أو خشونة " عاشق الحوراء " أو إصرار " المفكر العربي " على الحوار في مواضيع شائكة ، أو محاولات " عاشقة الشباب " و مجموعتها لتخريب الديوانية و دفع الحاضرين إلى الخروج منها بعد مانالهم من الأذى و الضرر ، و المراقبون ـ قلبي عليهم ـ حائرون بين هذا و ذاك و كل منهم يشعر بالعجز من السيطرة على الأمور … خاصة بعد حضور شخصية مؤسفة في كل شيء : " إسرائيل الكبرى " !!! …
و يعود التئام الأخوة و الأخوات في نفس المجلس بعد لحظات معدودة ، و هدوء العاصفة ، ليحلو السمَر …
كان أغلب رواد الديوانية هم الذين يكتبون في الساحة العربيّة ، و لكلّ منهم شبه اختصاص أو انزواء في مجال معيّن ، فمنهم مّن تنحصر مشاركاته في الشعر العربي ، و منهم بالشعر النبطي ، أو النثري ، أو الحوار الإسلاميّ ، أو الأدَبيّ ، أو السياسيّ أو الرياضي و غير ذلك …
و لكنهم حين يجتمعون في الديوانية كانت أحاديثهم تتغيّر نوعاً ما ، لتصبح مجرّد أحاديث عامة نظراً لكثرة الضوضاء بين الحضور ، و كان محور أنثوي لافت للنظر يتكوّن من " مها ، دلال ، رندا ، تهاني ، تغريد ، المبرقعة ، غالية " قلما ترى إحداهن إلاّ موجودة في الديوانية ، يتحدّثن في أمور كثيرة و بمحبة و وداد ظاهر للعيان …
رنــده نيقوسيان :
أغلب أولئكَ الفتيات يكتبن في الساحة الأدبيّة ، فيما عدا رنده التي كانت كتاباتها تشمل مجالات الأدب و الإسلام و السياسة ، و تعتبر حجر زاوية للتصدي لدعوات التنصير المتوالية يوماً بعد يوم على الساحة العربيّة …
و تمتاز رنده عن كافة المشاركين في الحوارات بين الأديان ، أنها نصرانية النشأة و التربيّة و الأسرة ، بل خريجة المدرسة الكاثوليكية في الدانمرك ، إلاّ أنها أسلمت قبل فترة ليست بالطويلة ، و أشهرت إسلامَها أمام الملأ ، و لم تجد منتديات الحوار مثيلاً لها في الحجة ضدّ كافة دعوات التنصير المنتشرة فيها ، فعلى الرغم من وجود كثيرين من الرواد الذين يردّون على تلك الدعوات ، و لكنهم لا يزيدون عن كونهم هواة للكتابة ينقلون الردود نقلاً من بعض المراجع العربيّة المنتشرة في المكتبات …
فيما رنده كانت الوحيدة ذات الاختصاص الأكاديمي حيث تردّ على هذه الدعوات من كتبهم هم و تشير إلى مراجعها من فم زعماء النصرانية في التاريخ المعاصر من الإنكليز و الأوروبيين أمثال المفكر الألماني " هانز كينج " و غيره و يمكن الاطلاع على هذه المقالة مثلاً : ااقرأ عن المسيحية( اضغط هنا ) كي نعلم مقدار تمكنها مما تتحدّث فيه .
و حيثما كانت تتكلم في هذه المواضيع نرى أن المتحاورين يُلجَمون و لا يجدون مفرّاً من افتتاح موضوع حوار جديد عسى أن تبتعد عنهم رنده بردودها القاسية ، و لكنها بالمرصاد ( المقالة( اضغط هنا ) ) …
و غني عن الذكر أنه حتى الداعين إلى التنصير غالبيتهم من الهواة ، فالحوار لا يمكن أن يكون إلاّ باللغة العربيّة ، و قليلون هم النصارى العرب الذين يستطيعون فتح مجلدات اللاهوت و علوم النصرانية المكتوبة باللغة الإنكليزية أو اللاتينيّة و غيرها ، فلذلك لا يجدون سعة في مجابهة رنده و سعة اطلاعها فضلاً عن تمكّنها من عدة لغات منها " الإنكليزية " و الدانمركية " و " العربيّة " و " العبريّـة " و " البوسنية " و " الأرمنية " و غيرها …
الساحة العربيّـة :
مَن ذا الذي لا يعرف الساحة العربية ؟
لا أدري ، ربما كثيرون لم يسمعوا بها حتى ، خاصة أولئكَ البعيدين عن الكمبيوتر و الإنترنت ، و لكنني لا أبتعد عن الواقع إذا قلت أن واحداً على الأقل من كل اثنين ـ من مستخدمي الإنترنت العرب ـ يعرفون الساحة العربيـّة ، بل كنت أجزم يوماً ، أنه ما من إنسانٍ على أرض البسيطة إلاّ و سمع بالساحة العربيّة ، بل و أحبّها كما أحببتـُها ، و تغزّل فيها كما تغزّلت فيها ، و عاتبها و خاصمها و قاطعها ثم عاد إليها يبثها كوامن نفسه و يناجيها ، و هكذا الحياة بين الأحبّـة ، مدّ و جزر ، لقاء و فراق ، عتاب ثم عِناق …
كانت تلك الساحة ، مرسى لروحي يوماً من الأيام ..
تهفو إليها نفسي هفوي إلى صدر أمي الحنون التي باعدت بيننا المسافات ، و يركنُ إليها فؤادي رُكوني إلى نصائح والدي الذي ما سمعتُ صوته منذ سنوات …
كانت مجتمعاً متكاملاً بحد ذاته ، و لكن دونما حدود أو جواز سفر أو أسلاك شائكة ، فكل إنسانٍ له الحق في أن يصبح مواطناً في الساحة العربيّة …
و لكنّ هذا المجتمع عربي القلب و اللسان ، احتوى الجميل واحتوى القبيح ، وفيه الأسياد و فيه العبيد ، و امتلأ بالأطفال كما امتلأ بالصناديد ، و ترى صيحات الإعجاب ترتفع هنا و هناك في كل مجلس فيه ، كما تسمع الاستنكار و ربما الشتائم و الأحقاد تتردّد في مجالس أخرى ، و لا بأسَ ببعض الغزل البريء و المحبّة و الوداد ، و كيد بعض الحسـّاد …
بمثل هذا الإجلال كانت تنظر عيناي إلى الساحة العربيّة ، و بمثل هذا الكمّ من الفخر كنتُ أفخرُ بكوني مواطناً في الساحة العربية .. .
ففيها وُلِدَ عنتر ، و في مضاربها حطّ رِحاله ، و راحَ يصول و يجول بجواده بين ساحاتها ليل نهار بعنفوان غريب أدهش الكثيرين ، و جعلهم يعترفون أنه فارس الساحات …
و حين كانت ساحة الحوار تستقبل هذه الكلمات :
يترجـّل عن صهوة جواده … يدخل متمهـّلاً … ينظر إلى الحضور … يبتسم ، يُنكِـّسُ رُمحـــه … يرفع يديه إلى السماء : اللـَّهـُمّ بارك هذا المكان ..
عندها كانت آهات الدهشة تحتبس في أفواه الكثيرين ، فهاهو عنتر يشاركهم الحوار الحيّ في الديوانية …
و كم عانت الساحات من كيد الكائدين و حسد الحاسدين ، و لم تسلم يوماً من ضربة سيف أو طعنة خنجر من غادر أثيم ، و كانت صيحات التظلم و الاستعطاف تملأ الأجواء ، و تبقى الساحة العربيّة شامخة الجبين فوق كل هذه الأعاصير و الزوابع ، و يُحاول وزراؤها و مسئولوها كل ما في وسعهم للسيطرة على الوضع متشبّثينَ بدفة السفينة كي لا تجنح إلى مراسيَ مجهولة ، بل دائماً إلى بر الأمان …
و نجحت الساحات في ذلك أيّما نجاح ، و بشهادة أولي الحلم و العلم ، و لكن هيهات أن يكتمل النجاح ، فالكمال لله وحده ، سبحانه و تعالى و إليه الأمور …
فكما الساحة العربيّة نقطة مضيئة تتلألأ في غياهب الإنترنت ، فثمة نقطة سوداء لازالت على جبينها لا تمحوه السنون ..
و شهدت الساحة العربيّة أوّل حادثة قتل عن سابق إصرار و تخطيط و ترصّد لأحد روّادها ، و لكن بلامبالاة تضع إشارات استفهام كبيرة جداً …
• ينشر على صفحات الساحة العربية نبأ بيد أحد أعضائها ، عن إصابة أحد روّادها بثلاثة رصاصات غدر ، و هو طريح المستشفى و يستجدي مَن لديهِ أي معلومات تفيد في كشف أهداف القاتل و إثبات تهمة القتل عليه أمام محكمة مقدونيا ، فتمسح الإدارة هذا النبأ و بلامبالاة !!!
• ثم يتسابق الكثيرون في إنكار حادثة القتل ، و اتهام الضحية بأنها كاذبة و القصة ملفقـة !!!
تلك نقطة سوداء … سوداء …. سوداء .
• فمتى كان مسموحاً تكميم شخص يرثي أخاً له في محنة على فراش الموت ؟؟؟
• بل متى كان مقبولاً أن يحار الرواد في استقصاء أخبار القتيلة ، لأنَّ مجرّد الكلام عنها في ساحتهم ممنوع ؟؟!
باختصار أقول : هذه الحال لا نراها إلاّ في دولة دكتاتور ، أصدرت حكماً بقتل أحد المجرمين ، و منعت الصحافة و وسائل الإعلام بل حتى المواطنين ، من الخوض في موضوع هذا المجرم ، إلاّ بالتجريح و الشماتة و تلفيق الاتهامات …
و هكذا كان …
تحليـــل :
لم أجد في حياتي موضوعاً شائكاً متشابك الأحداث كهذا الموضوع الذي نحن بصدده ، إلاّ في أفلام عملاق السينما العالميّـة هيتشكوك ، فالموضوع تتداخل فيه عوامل لا سبيل إلى حصرها و السيطرة عليها إلاّ بكمٍّ كبير جداً من الرويّة و التأني و الصبر في تفكيك خيوط هذه الحادثة خيطاً خيطاً …
فكافة أبطال هذه الحادثة مجرّد أسماء مستعارة كما في القصص المكتوبة ، و لا شيء ثابت أكيد بالنسبة لي إلاّ شيئين اثنين ، و هما أن حادثة القتل جريمة ماديّة ملموسة بالوثائق و المستندات ، و الثاني أنني شخص ملموس أرى كياني أمام عينيّ ، فيما باقي أبطال هذه القصة سراب ، يستتر خلف سراب …
• و الحق يُقال : إنَّ أغلب الذين عايشوا هذه الحادثة لم يفهموا شيئاً محدّداً حتى الآن ، و لازال هذا الموضوع ضمن إطار التكهنات و الرجم بالغيب …
حتى بالنسبة لي ، إذ لم تكتمل الحلقات المفقودة إلاّ أثناء اعتكافي لكتابة هذه المقالة هذه الأيام …
و غنيّ عن الذكر أن إعادة الخوض في هذا الجريمة المؤسفة التي بدأت تطوراتها منذ أواسط 1998 و انتهت بجريمة القتل في 3 /1 / 1999 ، و محاولة استذكار كل ما جرى فيها لهو في غاية الصعوبة و محفوف بالمخاطر ، و لم يسعفني إلا بعض ما أحتفظ به من أرشيفي الخاص للساحة العربيّة .. و غيرها في فضاء الإنترنت ، على الرغم من فقداني الكثير من هذا الأرشيف خلال العامين المنصرمَينِ …
و بمقدار درجة الغموض و التعتيم و التشويه الذي حف بمجريات الأمور ، بمقدار ما يحتاج الموضوع إلى زيادة في التفصيل و تبسيط الأمور و متابعة سير الأحداث خطوة خطـوة ، و سأحاول جهدي الاختصار بحيث لا يحصل الملل ، و ربما الإشارة إلى عناوين بعض الصفحات لقراءتها بشكل منفصل عبر الإنترنت نظراً لغزارة مادتها و ضرورة الاطلاع عليها لتدعيم الوقائع بالوثائق المتاحة …
البـداية :
الأجواء أجمل ما تكون ، و دفء العلاقات الأخوية و الحميمة يتبادلها رواد الديوانية بشكل يدعو إلى السعادة و الفرح …
فكلما دخل أحدُنـا إلى الديوانية أبريل / نيسان 1998 يجد أسماء تتلألأ لأشخاص ملكوا القلوب بمحبتهم للخير و السمَر و الكلام المُباح ، و كأنما شهرزاد تؤنس وحدة شهريار بأحاديثها و رواياتها الساحرة التي لا تنقطع إلاّ مع بزوغ شمس الصباح ، فتسكت عن الكلام المباح ، و شهريار ينتظر غروب الشمس بشوق غريب كي تعود شهرزاد لمتابعة أحاديثها الشيقة …
أسماء براقة لامعة ، لا تنساها مهما باعدتنا الأيام و الأزمان …
الأنيق … تغريد … الزعابي … دلال … الدكتور … مها … الخيّـال … تهاني … ميغ 29 … بنت الأصول … عنتر … نور … السفير … القطة … بو حَمَد … الهنوف قطر … أبو حمَد … رنده … سُراقة … السفيرَة … ابنُ أبيه … المبرقعة … حسام الإسلام … غالية … سيبويه … زينب … بِـشر … عمرو … الخبير … جابـر … قسوَرَة … و غيرهم و غيرهم كثير …
كل هذه أسماء مستعارة يحملها أشخاص في مختلف الأعمار ، يتناجون كل يوم و يتبادلون الأحاديث و الأخبار فيما بينهم ، و يتساءلون أحياناً بلهفة عن غياب أحدهم عن الحضور فالديوانية كانت بالنسبة لهم جميعاً كأنها مجلس اختياريّ محبوب لابدّ أن يزوره كل منهم يومياً و لو حتى لإلقاء التحية ثم الخروج بعد الاطمئنان على الجميع ..
كان شيئاً في غاية الجمال أن تجد شخصاً في أمريكا يتحدّث مع أخيه في دبيّ ، أو يلتقي بصديقه الموجود في استراليا و ببساطة و كأنهما في غرفة واحدة …
و لا يخلو الأمر أحياناً كثيرة من بعض المنغصات ، كمشاغبات مؤذية " آل ساعدي " أو خشونة " عاشق الحوراء " أو إصرار " المفكر العربي " على الحوار في مواضيع شائكة ، أو محاولات " عاشقة الشباب " و مجموعتها لتخريب الديوانية و دفع الحاضرين إلى الخروج منها بعد مانالهم من الأذى و الضرر ، و المراقبون ـ قلبي عليهم ـ حائرون بين هذا و ذاك و كل منهم يشعر بالعجز من السيطرة على الأمور … خاصة بعد حضور شخصية مؤسفة في كل شيء : " إسرائيل الكبرى " !!! …
و يعود التئام الأخوة و الأخوات في نفس المجلس بعد لحظات معدودة ، و هدوء العاصفة ، ليحلو السمَر …
كان أغلب رواد الديوانية هم الذين يكتبون في الساحة العربيّة ، و لكلّ منهم شبه اختصاص أو انزواء في مجال معيّن ، فمنهم مّن تنحصر مشاركاته في الشعر العربي ، و منهم بالشعر النبطي ، أو النثري ، أو الحوار الإسلاميّ ، أو الأدَبيّ ، أو السياسيّ أو الرياضي و غير ذلك …
و لكنهم حين يجتمعون في الديوانية كانت أحاديثهم تتغيّر نوعاً ما ، لتصبح مجرّد أحاديث عامة نظراً لكثرة الضوضاء بين الحضور ، و كان محور أنثوي لافت للنظر يتكوّن من " مها ، دلال ، رندا ، تهاني ، تغريد ، المبرقعة ، غالية " قلما ترى إحداهن إلاّ موجودة في الديوانية ، يتحدّثن في أمور كثيرة و بمحبة و وداد ظاهر للعيان …
رنــده نيقوسيان :
أغلب أولئكَ الفتيات يكتبن في الساحة الأدبيّة ، فيما عدا رنده التي كانت كتاباتها تشمل مجالات الأدب و الإسلام و السياسة ، و تعتبر حجر زاوية للتصدي لدعوات التنصير المتوالية يوماً بعد يوم على الساحة العربيّة …
و تمتاز رنده عن كافة المشاركين في الحوارات بين الأديان ، أنها نصرانية النشأة و التربيّة و الأسرة ، بل خريجة المدرسة الكاثوليكية في الدانمرك ، إلاّ أنها أسلمت قبل فترة ليست بالطويلة ، و أشهرت إسلامَها أمام الملأ ، و لم تجد منتديات الحوار مثيلاً لها في الحجة ضدّ كافة دعوات التنصير المنتشرة فيها ، فعلى الرغم من وجود كثيرين من الرواد الذين يردّون على تلك الدعوات ، و لكنهم لا يزيدون عن كونهم هواة للكتابة ينقلون الردود نقلاً من بعض المراجع العربيّة المنتشرة في المكتبات …
فيما رنده كانت الوحيدة ذات الاختصاص الأكاديمي حيث تردّ على هذه الدعوات من كتبهم هم و تشير إلى مراجعها من فم زعماء النصرانية في التاريخ المعاصر من الإنكليز و الأوروبيين أمثال المفكر الألماني " هانز كينج " و غيره و يمكن الاطلاع على هذه المقالة مثلاً : ااقرأ عن المسيحية( اضغط هنا ) كي نعلم مقدار تمكنها مما تتحدّث فيه .
و حيثما كانت تتكلم في هذه المواضيع نرى أن المتحاورين يُلجَمون و لا يجدون مفرّاً من افتتاح موضوع حوار جديد عسى أن تبتعد عنهم رنده بردودها القاسية ، و لكنها بالمرصاد ( المقالة( اضغط هنا ) ) …
و غني عن الذكر أنه حتى الداعين إلى التنصير غالبيتهم من الهواة ، فالحوار لا يمكن أن يكون إلاّ باللغة العربيّة ، و قليلون هم النصارى العرب الذين يستطيعون فتح مجلدات اللاهوت و علوم النصرانية المكتوبة باللغة الإنكليزية أو اللاتينيّة و غيرها ، فلذلك لا يجدون سعة في مجابهة رنده و سعة اطلاعها فضلاً عن تمكّنها من عدة لغات منها " الإنكليزية " و الدانمركية " و " العربيّة " و " العبريّـة " و " البوسنية " و " الأرمنية " و غيرها …